ويقال: بكل شرف علماً تَعْبَثُونَ يعني: تلعبون ويقال: تضربون، فتأخذون المال ممن مر بكم.
وروي عن ابن عباس في قوله تعالى: آيَةً تَعْبَثُونَ «يعني: تبنون ما لا تسكنون» . وقال أهل اللغة: كل لعب لا لذة فيه فهو عبث. واللعب: ما كان فيه لذة، فهم إذا بنوا بناء ولا منفعة لهم فيه، فكأنهم يعبثون.
ثم قال عز وجل: وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ يعني: القصور. وقال مجاهد: المصانع قصور وحصون. وقال القتبي: المصانع البناء، واحدها مصنعة ويقال: الريع الارتفاع من الأرض.
ومعناه: أنكم تبنون البناء والقصور، وتظنون أن ذلك يحصنكم مِنْ أقدار الله تعالى. ويقال:
وَتَتَّخِذُونَ مَصانِعَ يعني: الحياض لَعَلَّكُمْ تَخْلُدُونَ يعني: كأنكم تخلدون في الدنيا.
قوله عز وجل: وَإِذا بَطَشْتُمْ يعني: عاقبتم ويقال: يعني: ضربتم بالسوط وقتلتم بالسيف بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ يعني: فعلتم كفعل الجبارين، لأن الجبارين يضربون ويقتلون بغير حق، وأصل البطش في اللغة: هو الأخذ بالقهر والغلبة فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ فيما آمركم به وَاتَّقُوا الَّذِي أَمَدَّكُمْ يعني: أعطاكم بِما تَعْلَمُونَ ما تعلمون من الخير.
[سورة الشعراء (٢٦) : الآيات ١٣٣ الى ١٤٠]
أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ (١٣٣) وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٣٤) إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ (١٣٥) قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ (١٣٦) إِنْ هذا إِلاَّ خُلُقُ الْأَوَّلِينَ (١٣٧)
وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ (١٣٨) فَكَذَّبُوهُ فَأَهْلَكْناهُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (١٣٩) وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (١٤٠)
ثم بيّن فقال: أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَبَنِينَ يعني: أعطاكم الأموال والبنين وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ يعني: البساتين والأنهار الجارية، فاعرفوا رب هذه النعمة، واشكروه ليديم عليكم النعمة، فإنكم إن لم تشكروه ف إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ عَذابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ يعني: أعلم أنه يصيبكم العذاب في الدنيا والآخرة.
قوله عزّ وجل: قالُوا سَواءٌ عَلَيْنا أَوَعَظْتَ يعني: نهيتنا وخوفتنا من العذاب أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْواعِظِينَ يعني: من الناهين. روي عن ابن عباس أنه قال: «هو الوعظ بعينه» إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ قرأ أبو عمرو والكسائي وابن كثير: إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ بنصب الخاء، وقرأ الباقون بالضم. فمن قرأ بالنصب، فمعناه: ما هذا العذاب الذي تذكره إلا أحاديث الأولين.
ويقال: الإحياء بعد الموت لا يكون، وإنما هذا خلق الأولين، أنهم يعيشون ثم يموتون وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ قال القتبي: الخلق الكذب كقوله: إِنْ هذا إِلَّا اخْتِلاقٌ [ص: ٧] وكقوله: إِنْ هذا إِلَّا خُلُقُ الْأَوَّلِينَ [الشعراء: ١٣٧] أي: خوضهم للكذب. والعرب تقول للخرافات: أحاديث الخلق قال: وأصل الخلق التقدير، وهاهنا أراد به: اختلافهم وكذبهم. وأما من قرأ بضم الخاء، فمعناه: إن هذا إلا عادة الأولين، والعادة أيضاً تحتمل المعنيين، مثل الأول.