ثم قال: فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ يعني: في الجنة، عين جارية ماؤها أشد بياضاً من اللبن، وأحلى من العسل، فمن شرب منه شربة لا يظمأ بعدها أبداً، ويذهب من قلبه الغل، والغش والحسد، والعداوة والبغضاء. ثم قال: فِيها سُرُرٌ مَرْفُوعَةٌ يعني: مرتفعة وَأَكْوابٌ مَوْضُوعَةٌ يعني: الكيزان التي لا عرى لها، مدورة الرأس وَنَمارِقُ مَصْفُوفَةٌ يعني: فيها وسائد، قد صف بعضها إلى بعض على الطنافس.
وَزَرابِيُّ مَبْثُوثَةٌ قال القتبي: الزرابي الطنافس. ويقال: البُسُط واحدها زربي. ثم قال عز وجل: مَبْثُوثَةٌ أي: كثيرة متفرقة أو مبسوطة، والنمارق الوسائد واحدها نمرقة، والمؤمن جالس فوق هذا كله، وعلى رأسه نور وضاء، كأنهن الياقوت والمرجان، جزاءً بما كانوا يعملون، فإن شك شاك فيها فتعجب، وقال: كيف هذا وهو غائب عنا، فقل انظر إلى صنعة الرب تبارك وتعالى في الدنيا. وهو قوله: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ يعني: خلق من قطرة ماء خلقاً عظيماً، يُحْمَل عليها، وإنما خص ذكر الإبل، لأن الإبل كانت أقرب الأشياء إلى العرب.
ثم قال عز وجل: وَإِلَى السَّماءِ يعني: أفلا ينظرون إلى السماء كَيْفَ رُفِعَتْ بلا عمد تحتها، وحبست في الهواء بقدرة الرب سبحانه وتعالى. ثم قال: وَإِلَى الْجِبالِ يعني:
أفلا ينظرون إلى الجبال كَيْفَ نُصِبَتْ على ظهر الأرض أوتاداً لها، وليس جبل من الجبال، إلا وله عرق من قاف، وملك موكل بجبل. فإذا أراد الله تعالى بأهل أرض شيئاً، أوحى الله تعالى إلى الملك الموكل بذلك الجبل، فيحرك تلك العروق، فيتزلزل. ثم قال: وَإِلَى الْأَرْضِ كَيْفَ سُطِحَتْ يعني: بسطت على ظهر الماء.
ثم قال: فَذَكِّرْ إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ يعني: فذكر يا محمد صلّى الله عليه وسلم وخوفهم بالعذاب في الآخرة إِنَّما أَنْتَ مُذَكِّرٌ يعني: مخوفاً بالقرآن لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ يعني: بمسلط تجبرهم على الإسلام، وهذا قبل أن يؤمر بالقتال. وقال مقاتل: في الآية تقديم يعني: فذكر إِلَّا مَنْ تَوَلَّى يعني: أعرض عن الإيمان وَكَفَرَ بالله تعالى فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذابَ الْأَكْبَرَ