قوله عز وجل: وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً يعني: تركوا عبادة الله الذي خلق هذه الأشياء، وعبدوا غيره. لاَ يَخْلُقُونَ شَيْئاً يعني: عبدوا شيئاً لا يقدر أن يخلق ذباباً، ولا غيره وَهُمْ يُخْلَقُونَ يتخذونها بأيديهم وَلا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا أي: لا تقدر الآلهة أن تمتنع ممن أراد بها سوءاً وَلا نَفْعاً أي لا تقدر أن تسوق إلى نفسها خيراً. ويقال: لا يملكون دفع مضرة، ولا جر منفعة. وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً يعني: لا يقدرون أن يميتوا أحداً وَلا حَياةً أي: ولا يحيون أحداً وَلا نُشُوراً يعني: بعث الأموات. ويقال: وَلا يَمْلِكُونَ مَوْتاً يعني: الموت الذي كان قبل أن يخلقوا، وَلا حَياةً يعني: أن يزيدوا في الأجل، وَلا نُشُوراً بعد الموت.
ويقال: وَلا حَياةً يعني: أن يبقوا أحداً وَلا نُشُوراً يعني: أن يحيوه بعد الموت. وإنما ذكر الأصنام بلفظ العقلاء، لأن الكفار يجعلونهم بمنزلة العقلاء، فخاطبهم بلغتهم.
ثم قال عز وجل: وَقالَ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: كفار مكة إِنْ هَذا إِلَّا إِفْكٌ يعني: ما القرآن إلا كذب افْتَراهُ يعني: كذباً اختلقه من ذات نفسه وَأَعانَهُ عَلَيْهِ قَوْمٌ آخَرُونَ يعني: جبراً ويساراً فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً وقال بعضهم هذا قول الكفار، يعني: إنّ الذين أعانوه قد جَاءوا ظُلْماً وَزُوراً. وقال بعضهم: هذا قول الله تعالى ردّاً على الكفار بقولهم هذا فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَزُوراً يعني: شركاً وكذباً وَقالُوا أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ اكْتَتَبَها يعني: أباطيلهم اكتتبها، يعني: كتبها من جبر ويسار يعني: أساطير الأولين. فَهِيَ تُمْلى عَلَيْهِ يعني: تقرأ وتملى عليه بُكْرَةً وَأَصِيلًا يعني: تقرأ عليه غدوة وعشية.
قوله عز وجل: قُلْ يا محمد أَنْزَلَهُ يعني: القرآن الَّذِي يَعْلَمُ السِّرَّ فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني: يعلم السِّرَّ والعلانية، ومعناه: لو كان هذا القول من ذات نفسه لعلمه الله تعالى، وإذا علمه لعاقبه، كما قال تعالى: وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ [الحاقة: ٤٤] ثم قال إِنَّهُ كانَ غَفُوراً رَحِيماً فكأنه يقول: ارجعوا وتوبوا، فإنه كان غَفُوراً لمن تاب، رَحِيماً بالمؤمنين.