للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذلك العهد، فأنزل الله تعالى: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وقال عكرمة عن عبد الله بن عباس أنه قال، لما أصاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم بدر، وقَدِم المدينة جمع اليهود في سوق بني قينقاع، فقال: «يا مَعْشَر اليَهُودِ، أَسْلِمَوا قَبْلَ أَنْ يُصِيبَكُمُ الله بِمِثْلِ مَا أَصَابَ قُرَيْشاً» . قالوا: يا محمد لا تغرنك نفسك. إنك قتلت نفراً من قريش كانوا أَغماراً لا يعرفون القتال فإنك لو قاتلنا لعرفت أنّا نحن الناس وأنك لم تلق مثلنا فأنزل الله تعالى قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَتُحْشَرُونَ يعني تُهْزمون وتُقْهَرون وتُحْشرون بعد القتل إلى جهنم وَبِئْسَ الْمِهادُ يعني لبئس موضع القرار جهنم. قرأ حمزة والكسائي سَيُغْلبونَ وَيُحشرُون بالياء على معنى الخبر والباقون بالتاء على معنى المخاطبة.

[[سورة آل عمران (٣) : آية ١٣]]

قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ فِي فِئَتَيْنِ الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ رَأْيَ الْعَيْنِ وَاللَّهُ يُؤَيِّدُ بِنَصْرِهِ مَنْ يَشاءُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصارِ (١٣)

ثم قال: قَدْ كانَ لَكُمْ آيَةٌ يعني عبرة فِي فِئَتَيْنِ أي جَمْعَيْن، يعني جَمْع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وجمع كفار أهل مكة الْتَقَتا فِئَةٌ تُقاتِلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأُخْرى كافِرَةٌ يَرَوْنَهُمْ مِثْلَيْهِمْ قرأ نافع ترونهم على معنى المخاطبة، والباقون بالياء على معنى الخبر، وذكر عن الفراء أنه قال كان الكفار ثلاثة أمثال المسلمين، لأن المسلمين كانوا ثلاثمائة ونيفاً، وكان الكفار تسعمائة ونيّفاً. وقوله: مثليهم أي ثلاثة أمثالهم، والمعنى في ذلك عن طريق اللغة أن الإنسان إذا كان عنده ألف درهم يقول احتاج إلى مثليها، فإنه يحتاج إلى ثلاثة آلاف. وقال الزجاج: هذا القول لا يصح في اللغة، ولا في المعنى، ولكن المسلمين يرونهم مثليهم في العدد، لكي لا يجبنوا، لأنه أعلمهم أن المائة تغلب المائتين، فأراهم في رَأْيَ الْعَيْنِ أن المشركين مثليهم في العدد، لكي لا يجبنوا، وهذا كما قال في آية أخرى، وَإِذْ يُرِيكُمُوهُمْ إِذِ الْتَقَيْتُمْ فِي أَعْيُنِكُمْ قَلِيلًا وَيُقَلِّلُكُمْ فِي أَعْيُنِهِمْ [الأنفال: ٤٤] ، وذلك أن المشركين كانوا تسع مائة، فأرى الله المسلمين أنهم ستمائة، لكي لا يجبنوا، وأرى الكفار أن المسلمين أقل من ثلاثمائة، ثم ألقى مع ذلك في قلوبهم الرعب حتى انهزموا، فكان في ذلك دلالة من الدلالات، فمن قرأ بالتاء على معنى المخاطبة لليهود إن لكم آية وعلامة حيث رأيتم غلبة المسلمين على الكفار مع قلة المسلمين، وكثرة الكفار، فإن قيل: إن اليهود لم يكونوا حضوراً في ذلك الوقت، فكيف يرون ذلك؟ قيل له: إذا انتشر الخبر فهموا، وعلموا ذلك صار كالمعاينة، ولأن لهم جواسيس عند المسلمين يخبرون اليهود بذلك، فصار كأن كلهم رأى ذلك، ومن قرأ بالياء معناه أن المسلمين يرون الكفار مثليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>