للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

درهم ونيف. وفي رواية أُخرى: ثمانين ألف دينار ونيف «١» .

وجاء عاصم بن عدي بسبعين وسقاً من تمر، وكل واحد منهم جاء بمقدار طاقته، حتى جاء أبو عقيل بن قيس بصاع من تمر وقال: آجرت نفسي الليلة بصاعين، فصاع أقرضته لربي، وصاع تركته، فأمره بأن ينثره في الصدقة. وروي أن امرأة، جاءت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم بتمرةٍ واحدة، فلم ينظر النبيّ صلّى الله عليه وسلّم إليها فنزل: الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ إلى آخره. وكان نفر من المنافقين جلوساً يستهزئون فقالوا: لقد تصدق عبد الرحمن وعاصم بن عدي رياء، ولقد كان الله غنياً عن صاع أبي عقيل، فنزل «٢» : الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ يعني:

يطعنون المتصدقين الذين يتصدقون بأموالهم وهم عبد الرحمن وعاصم وغيرهما.

وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلَّا جُهْدَهُمْ، قال أهل اللغة: الجُهْدُ بالضم الطاقة، والجَهْدُ بالنصب المشقة. وقال الشعبي: الجُهْدُ هو القيتة يعني: القلة، والجَهْد بالنصب هو الجَهْدُ في العمل.

فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ. يقول: يستهزئون بهم. سَخِرَ اللَّهُ مِنْهُمْ، يعني: يجازيهم جزاء سخريتهم. وهذا كقوله: اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ [البقرة: ١٥] .

ثم قال: وَلَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، يعني: وجيع دائم. فلما نزلت هذه الآية، جاءوا إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فقالوا: يا رسول الله، استغفر لنا فنزل: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ: قوله:

اسْتَغْفِرْ لَهُمْ اللفظ لفظ الأمر، ومعناه معنى الخبر، فمعناه: إن شئت استغفر لهم، وإن شئت فلا تستغفر لهم، يعني: للمنافقين. إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً يعني: فإنك إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ.

ثم بَيَّنَ المعنى الذي لم يغفر لهم بسببه، فقال تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، يعني: في السر. وقال قتادة ومجاهد: لما نزلت هذه الآية قال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «لأزيدنّ على سبعين مرة، فاستغفر لهم، أكثر من سبعين مرة لعل الله يغفر لهم» «٣» فأنزل الله تعالى سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَسْتَغْفَرْتَ لَهُمْ أَمْ لَمْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ لَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [المنافقون: ٦] ثم قال: وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ، يعني: المنافقين الذين كفروا بالله ورسوله في السر، والله تعالى لا يهديهم ما داموا ثابتين على النفاق.

[سورة التوبة (٩) : الآيات ٨١ الى ٨٢]

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ وَكَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقالُوا لاَ تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ (٨١) فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَلْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢)


(١) عزاه السيوطي: ٤/ ٢٤٩ إلى البزار وابن جرير وابن أبي حاتم وابن مردويه، عن أبي هريرة.
(٢) عزاه السيوطي: ٤/ ٢٤٩ إلى ابن مردويه عن أبي سعيد و ٤/ ٢٥١ إلى ابن المنذر وابن أبي حاتم.
(٣) عزاه السيوطي: ٤/ ٢٥٣ إلى ابن جرير وابن أبي حاتم وابن أبي شيبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>