مرَّ على قرية هو عزير بن شرخيا، وكان من علماء بني إسرائيل، فمرَّ بدير هرقل بين واسط والمدائن على حمار فمرَّ بها وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها. وقال الضحاك بن مزاحم: هو عزير النبي- عليه السلام- مرَّ ببيت المقدس، وقد خربها بخت نصر، وقتل منهم سبعين ألفاً، وأسر منهم سبعين ألفاً، أي من بني إسرائيل فمرَّ عزير فقال: أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها.
وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: إن بخت نصر غزا بني إسرائيل، فسبى منهم ناساً كثيرةً، فجاء بهم وفيهم عزير بن شرخيا وكان من علماء بني إسرائيل، فجاء بهم إلى بابل.
فخرج ذات يوم لحاجة له إلى دير هرقل على شاطئ دجلة، فنزل تحت ظل شجرة وهو على حمار له، فربط حماره تحت ظل شجرة، ثم طاف بالقرية فلم ير بها ساكناً وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها، يقول: ساقطة على سقوفها، وذلك أن السقف يقع قبل الحيطان ثم الحيطان على السقف، فَهِىَ خَاوِيَةٌ على عُرُوشِهَا. قال بعض أهل اللغة: الخاوية، الخالية. وقال بعضهم:
بقيت حيطانها لا سقوف عليها. وقال الزجاج: عروشها هي الخيام وهي بيوت الأعراب.
فتناول من الفاكهة والتين والعنب، ثم رجع إلى حماره فجلس يأكل من تلك الفاكهة، ثم عصر من العنب فشربه، ثم جعل فضل التين والعنب في سلة، وفضل العصير في الزق ثم نظر إلى القرى فتعجب من كثرة ثمرها وفناء أهلها ف قالَ أَنَّى يُحْيِي هذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِها فلم يشك في البعث، ولكن أحب أن يريه الله كيف يحيي الموتى. فلما تكلم عزير بذلك، نام في ذلك الموضع.
فَأَماتَهُ اللَّهُ في منامه مِائَةَ عامٍ، وأمات حماره، ثُمَّ بَعَثَهُ الله تعالى في آخر النهار، ومنعه الله تعالى- في حال موته- عن أبصار الناس والسباع والطير. فلما بعثه الله تعالى، سمع صوتاً قالَ له: كَمْ لَبِثْتَ، أي كم مكثت في نومك يا عزير؟ قالَ: لَبِثْتُ يَوْماً ثم نظر إلى الشمس، وقد بقي منها شيء لم تغرب فقال: أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. قالَ له: بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ، يعني كنت ميتاً مائة عام، ثم أخبره ليعتبر. فقال: فَانْظُرْ إِلى طَعامِكَ، يعني الفاكهة وَشَرابِكَ، يعني العصير. لَمْ يَتَسَنَّهْ، يعني لم يتغير، كقوله:
مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ [محمد: ١٥] ، أي غير متغير. ويقال: لم يتسنّه، كأنه لم تأت عليه السنون.
قرأ حمزة وابن عامر وأبو عمرو: كَمْ لَبِثْتَ بإدغام الثاء والتاء. وقرأ الباقون بإظهارها. وقرأ الكسائي: لم يتسنّ بغير هاء عند الوصل وأثبتت عند القطع. وقرأ حمزة:
بحذف الهاء عند الوصل والقطع جميعاً. وقرأ الباقون بإثبات الهاء عند الوصل والقطع. وقرأ نافع: أَنَا أُحْيِي بمد الألف، وكذلك في جميع القرآن نحو هذا، إلا في قوله: إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ [الأعراف: ١٨٨] وقرأ الباقون بغير مد ومعنى القراءتين في هذا كله واحد.