كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ، أي فرض عليكم القتال. وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ، أي شاق عليكم.
وذلك أن الله تعالى، لما أمرهم بالجهاد، كرهوا الخروج. وإنما كانت كراهيتهم له، لأنه كان في الخروج عليهم مشقة، لا أنهم كرهوا فرض الله تعالى: ثم قال: وَعَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً، يعني الجهاد. وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ، لأن فيه فتحاً وغنيمة وشهادة وفيه إظهار الإسلام.
وَعَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ، وهو الجلوس عن الجهاد، لأنه يسلط عليكم عدوكم.
وَاللَّهُ يَعْلَمُ أن الجهاد خير لكم. وَأَنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ أن ذلك خير، حين أحببتم القعود عن الجهاد. ويقال: والله يعلم ما كان فيه صلاحكم وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ. ذلك قوله تعالى.
يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ. وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم بعث عبد الله بن جحش مع تسعة رهط، في جمادى الآخرة قبل بدر بشهرين إلى عير لقريش، فلقوا العير. وكان ذلك في آخر الشهر، فأمر عبد الله بن جحش بعض أصحابه، فحلق رأسه. فلما رآهم المشركون آمنوا وظنوا أنه دخل رجب، فقاتلهم المسلمون وأخذوا أموالهم، فعيَّرهم المشركون بذلك، فنزلت هذه الآية: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ. قال الزجاج: معناه يسألونك عن القتال في الشهر الحرام. وقال القتبي يسألونك عن القتال في الشهر الحرام هل يجوز؟ فأبدل قتالاً من الشهر الحرام. قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ، أي عظيم عند الله. ثم قال: وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ، يقول منع الناس عن الكعبة أن يطاف بها. وَكُفْرٌ بِهِ، أي بالله تعالى ويقال: وَكُفْرٌ بِهِ أي بالحج.
قوله: وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ وإنما صار خفضاً، لأنه عطف على سبيل الله، كأنه قال:
وصدّ عن سبيل الله وعن المسجد الحرام وكفر بالله تعالى. وَإِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ. أي من المسجد أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ، أي أعظم عقوبة عند الله من القتال في الشهر الحرام. وَالْفِتْنَةُ، يعني الشرك أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ، أعظم عقوبة من القتل في الشهر الحرام.
ثم قال: وَلا يَزالُونَ يُقاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ الإسلام إلى دينهم الكفر. إِنِ اسْتَطاعُوا، يعني إن قدروا على ذلك ولكنهم لا يقدرون عليه. ثم هدد المسلمين ليثبتوا على دينهم الإسلام، فقال تعالى: وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ الإسلام. فَيَمُتْ وَهُوَ كافِرٌ بالله