للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال عز وجل: لاَّ تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ يعني: لا تدعوا محمدا باسمه صلّى الله عليه وسلّم كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضاً ولكن وقِّروه وعظموه، وقولوا: يا رسول الله، ويا نبي الله، ويا أبا القاسم. وفي الآية بيان توقير معلم الخير، لأن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم كان معلّم الخير، فأمر الله عز وجل بتوقيره وتعظيمه، وفيه معرفة حق الأستاذ، وفيه معرفة أهل الفضل.

ثم ذكر المنافقين فقال تعالى: قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ يعني: يرى الله الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ يعني: يخرجون من المسجد لِواذاً يلوذ بعضهم ببعض. وذلك أن المنافقين كان يشقُّ عليهم المقام هناك يوم الجمعة وغيره، فيتسللون من بين القوم، ويلوذ الرجل بالرجل، أو بالسارية لئِلاَّ يراه النبي صلّى الله عليه وسلّم حتى يخرج من المسجد. يقال: لاذ يلوذ إذا عاذ وامتنع بشيء. ويقال: معنى (لواذا) هنا معنى الخلاف، يعني: يخالفون خلافاً، فخوفهم الله تعالى عقوبته فقال: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ يعني: عن أمر الله تعالى. ويقال: عن أمر رسول الله عليه السلام.

ويقال: عَنْ زيادة في الكلام للصلة. ومعناه: يخالفون أمره إلى غير ما أمرهم به أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ يعني: الكفر، لأن أمر رسول الله صلّى الله عليه وسلّم واجب، فمن تركه على وجه الجحود كفر.

ويقال: فِتْنَةٌ يعني: بلية في الدنيا. ويقال: فساد في القلب. أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ يعني: يصيبهم عذابا عظيما في الآخرة. ويقال: القتل بالسيف. ويقال: يجعل حلاوة الكفر في قلبه. وقوله: أَوْ على معنى الإفهام، لا على وجه الشك والتخيير.

ثم قال عز وجل: أَلا إِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَالْأَرْضِ من الخلق عبيده وإماؤه وفي مملكته قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ من الاستقامة في الإيمان، والنفاق وغير ذلك. ويقال: قَدْ يَعْلَمُ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ من خير أو شر، فيجازيكم بذلك وَيَوْمَ يُرْجَعُونَ إِلَيْهِ في الآخرة فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا من خير أو شر، فيجازيهم بذلك. وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ من أعمالهم وأقوالهم، وبما في أنفسهم. وروي عن الأعمش، عن سفيان بن سلمة، قال: شهدت ابن عباس ولي الموسم، وقرأ سورة النور على المنبر وفسّرها، فلو سمعتها الروم لأسلمت. وقال عمر رضي الله تعالى عنه: «تعلموا سورة براءة، وَعَلِّموا نساءكم سورة النور» ، والله أعلم- وصلى الله على سيدنا محمد وعلى رسله وصحبه وسلّم «١» -.


(١) ما بين معقوفتين ساقط من النسخة: «أ» .

<<  <  ج: ص:  >  >>