للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إليه: ما يبكيك؟ قد أمرت الأرض أن تطيعك، فأمرها بما شئت. فقال موسى: خذيهم، فأخذتهم» .

وفي رواية الحسن: خرج موسى عليه السلام مغضبا، فدعا الله عز وجل، وقال: عبدك قارون الذي عبد غيرك وجحدك، فأوحى الله تعالى إلى موسى: إني قد أمرت الأرض بأن تطيعك، فجاء موسى حتى دخل إلى قارون حين اجتمع الناس في داره. فقال: يا عدو الله كذبتني في كلام له غيظ، حتى غضب قارون وأقبل عليه بكلام شديد، وهّم به. فلما رأى موسى ذلك قال: يا أرض خذيهم. قال: وكان قارون على فرش على سرير مرتفع في السماء، فأخذت الأرض أقدامهم، وغاب سريره ومجلسه، وقد دخل من الدار في الأرض مثل ما أخذت منهم على قدرها، فأقبل موسى يوبخهم ويغلظ لهم المقالة. فلما رأى القوم ما نزل بهم، عرفوا أن هذا الأمر ليس لهم به قوة، فنادوا: يا موسى ارحمنا وكف عنا، وجعلوا يتضرعون إليه ويطلبون رضاه، وهو لا يزداد إلا غضباً وتوبيخاً لهم ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى ركبهم، فجعلوا يتضرعون إليه ويسألونه، وهو يوبخهم. ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أوساطهم، وكانت الأرض تأخذ من الدار كل مرة مثل ما تأخذ منهم، وهم يتضرعون في ذلك إلى موسى ويسألونه. ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى آباطهم، فمدوا أيديهم إلى وجه الأرض رجاء أن يمتنعوا بها. ثم قال: يا أرض خذيهم، فأخذتهم إلى أعناقهم، فلم يبق على وجه الأرض منهم شيء إلا رؤوسهم، ولم يبق من الدار إلا شرفها. وقال قارون: يا موسى أنشدك بالله وبالرحم. فقال: يا أرض خذيهم، فاستوت الأرض عليهم وعلى الدار. فانطلق موسى وهو فرح بذلك، فأوحى الله تعالى إليه، يا موسى يتضرع إليك عبادي، ودعوك وسألوك فلم ترحمهم، أما وعزتي وجلالي لو أنهم دعوني، واستغاثوا بي لرحمتهم، ولكن تركوا أن يجعلوا رغبتهم ورجاءهم إلي، وجعلوها إليك، فتركتهم فذلك قوله تعالى: إِنَّ قارُونَ كانَ مِنْ قَوْمِ مُوسى فَبَغى عَلَيْهِمْ يعني: تطاول على بني إسرائيل، وعلى موسى وَآتَيْناهُ مِنَ الْكُنُوزِ يعني: من المال مَا إِنَّ مَفاتِحَهُ يعني: خزائنه لَتَنُوأُ بِالْعُصْبَةِ قال مقاتل: العصبة من العشرة إلى الأربعين، فإذا كانوا أربعين فهم أولو قوة. يقول: لتعجز العصبة أولو القوة عن حمل مفاتيح الخزائن.

وقال أهل اللغة: ناء به الحمل إذا أثقله. وقال القتبي: تنوء بالعصبة، أي تميل بها العصبة، إذا حملتها من ثقلها، وقال ابن عباس في رواية أبي صالح: «العصبة في هذا الموضع أربعون رجلاً، وخزائنه كانت أربعمائة ألف، يحمل كل رجل عشرة آلاف ويقال مَفاتِحَهُ يعني: مفاتيح خزائنه يحملها أربعون رجلاً. ويقال: أربعون بغلاً.

وروى وكيع عن الأعمش عن خيثمة قال: كان مفاتيح كنوز قارون من جلد، كل مفتاح مثل الإصبع، كل مفتاح على خزانة على حدة، فإذا ركب حمل المفاتيح على ستين بغلاً، كل

<<  <  ج: ص:  >  >>