للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلى ثلاث سنين على تسع ذود. فرجع أبو بكر إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وأخبره بالأمر، فقال النبي صلّى الله عليه وسلم:

«انْطلِقْ فَزِدْهُ فِي الخَطَرِ، وَمُدَّهُ فِي الأجَلِ» فرجعَ أبو بكر إلى أبيّ بن خلف، فقال: أنا أبايعك إلى سبع سنين على عشرة ذَود، فبايعه فلما خشي أبيّ بن خلف أن يخرج أبو بكر من مكة إلى المدينة مهاجراً أتاه فلزمه، فكفل له عبد الرحمن بن أبي بكر. فلما أراد أبي بن خلف أن يخرج إلى أحدُ أتاه محمد بن أبي بكر، فلزمه، فأعطاه كفيلاً، ثم خرج إلى أحدُ فظهرت الرُّوم على فارس عام الحديبية، وذلك عند رأس سبع سنين، فذلك قوله: وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ.

وروى أسباط، عن السدي، عن أصحابه، قال: اقتتلت فارس والروم، فغلبتهم فارس، ففخر أبو سفيان بن حرب على المسلمين، وقال: الذين ليس لهم كتاب غلبوا على الذين لهم كتاب، فشقَّ ذلك على المسلمين، فلقي أبو بكر رضي الله عنه أبا سفيان، فقامره على ثلاثة أبكار على أنَّ الروم ستغلب فارس إلى ثلاث سنين، ثم أتى النبيّ صلّى الله عليه وسلم فأخبره، فقال له:

«انْطَلِقْ فَزِدْ فِي الجَعْلِ، وَزِدْ في السِّنِينَ» . فزايده إلى سبع سنين على سبعة أبكار. فالتقى الروم وفارس، فغلبتهم الروم، وظهر عليهم هرقل، فجاءه جبريل- عليه السلام- بهزيمة فارس، وظهور الرّوم عليهم، ووافق ذلك يوم بدر وظهور النبيّ صلّى الله عليه وسلم على المشركين، ففرح المؤمنون بظهورهم على المشركين، وظهور أهل الكتاب على أهل الشرك.

ويقال إن أهل الروم كانوا أهل كتاب، وكان المسلمون يرجون إسلامهم، وأهل فارس كانوا مجوساً، فكان المسلمون لا يرجون إسلامهم، وكانوا يحزنون لغلبة فارس عليهم فنزل الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ أي أقرب الأرض إلى أرض فارس وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ روي عن الفراء أنه قال: يعني من بعد غلبتهم، ولكن عند الإضافة سقطت الهاء، كما قال: وَأَقامَ الصَّلاةَ [الأنبياء: ٧٣] ولم يقل: وإقامة الصلاة.

وقال الزجاج: هذا غلط، وإنا يجوز ذلك في المعتلّ خاصة. والغلب والغلبة كلاهما مصدر. وسَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ يعني إلى خمس سنين، ويقال: إلى سبع سنين.

روي عن أبي عبيدة أنه قال: البضع من واحد إلى أربعة. وقال القتبي: البضع ما فوق الثلاثة إلى دون العشرة. وقال مجاهد: البضع ما بين الثلاث إلى التسع، ويقال مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ وهذا اللفظ يكون للغالبين وللمغلوبين كقولهم من بعد قتلهم.

ثم قال عز وجل: لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ يعني لله الأمر حين غلبت الروم فارس وَمِنْ بَعْدُ يعني حين غلبت الروم فارس.

ولفظ القبل والبعد إذا كان في آخر الكلام يكون رفعاً على معنى الإضافة للغاية، ولو كان إضافة إلى شيء يكون خفضاً، كقولك: من بعدهم ومن قبلهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>