ثم قال فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الهدي فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ. قال ابن عباس: آخرها يوم عرفة. وَسَبْعَةٍ إِذا رَجَعْتُمْ. قال بعضهم: إذا رجعتم إلى أهليكم. وقال بعضهم: إذا رجعتم من منى. وقال بعضهم: إذا رجعتم إلى الأمر الأول، يعني إذا فرغتم من أمر الحج وبهذا القول نقول. ثم قال: تِلْكَ عَشَرَةٌ كامِلَةٌ، في البدل يعني العشرة الكاملة كلها بدل من الهدي، يعني ذلِكَ الفداء لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ، أي ذلك الفداء لمن لم يكن منزله في الحرم. وقال قتادة ومقاتل: ذلك يعني التمتع لمن لم يكن أهله حاضرى المسجد الحرام يعني الحرم. وَاتَّقُوا اللَّهَ فيما أمركم به ونهاكم عنه. وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ إن خالفتم.
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ، أي وقت الحج أشهر معلومات وهو: شوال وذو القعدة وعشرة من ذي الحجة. فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ قال القتبي: الفرض وجوب الشيء، يقال: فرضت عليك كذا، أي أوجبته. قال الله تعالى: فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ، أي ما ألزمتم أنفسكم، وقال: قَدْ عَلِمْنا مَا فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ [الأحزاب: ٥٠] ، وقال تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ، أي فمن أحرم في هذه الأشهر بالحج، فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ وَلا جِدالَ. قرأ ابن كثير وأبو عمرو:«فَلاَ رِفْثٌ وَلاَ فُسُوقٌ» بالرفع مع التنوين، والباقون بالنصب بغير تنوين. واتفقوا في قوله: وَلا جِدالَ بالنصب غير أبي جعفر المدني فإنه قرأ بالرفع.
وهذا يقال له: لا التبرية فكل موضع يدخل فيه لا التبرية، فصاحبه بالخيار إن شاء نصبه بغير تنوين، وإن شاء ضمه بالتنوين مثل قوله: وَلا خُلَّةٌ وَلا شَفاعَةٌ [البقرة: ٢٥٤] .
وتفسير الرفث هو الجماع كقوله: أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ [البقرة: ١٨٧] وقال بعضهم: الرفث: التعرض بذكر النساء، والفسوق: هو السباب، والجدال:
أن تماري صاحبك حتى تغيظه. أي من كان محرماً لا يجامع في إحرامه ولا يسب ولا يماري.
ويقال: الفسوق الذبح للأصنام. كقوله تعالى: أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ [الأنعام: ١٤٥] ، والجدال هو أن قريشاً كانت تقف بالمزدلفة وكانوا يجادلون كل فريق يقولون: نحن أصوب سبيلاً. وروي عن مجاهد أنه قال: قد استقر الحج في ذي الحجة، فلا جدال فيه وذلك أن المشركين كانوا يحجون عامين في ذي القعدة وعامين في ذي الحجة، فلما فتح رسول الله صلى الله عليه وسلم مكة، بعث أبا بكر ليحج بالناس فوافق ذلك آخر عام ذي القعدة فلما حج رسول الله صلى الله عليه وسلم حجة الوداع، وافق ذلك أول عام في ذي الحجة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«ألا إن الزمان قد اسْتَدَارَ كَهَيْئَتِهِ يَوْمَ خَلَقَ الله السموات وَالأَرْضَ» . يعني رجع أمر الحج إلى ذي الحجة كما كان، فنزل: وَلا جِدالَ فِي الْحَجِّ.
ثم قال: وَما تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ، يعني من ترك الفسوق والمرأة والجدال. يَعْلَمْهُ