للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل: لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ قال مجاهد: أي لا تحل لك اليهوديات ولا النصرانيات مِنْ بَعْدُ، يعني: من بعد المسلمات، وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ.

يقول: لا تبديل اليهوديات، ولا النصرانيات على المؤمنات. يقول: لا تكون أم المؤمنين يهودية ولا نصرانية إلا ما ملكت يمينك من اليهوديات والنصرانيات يتسرى بهن. قال الحسن وابن سيرين: خيّر رسول الله صلّى الله عليه وسلم، نساءه بين الدنيا والآخرة، فاخترن الله ورسوله والدار الآخرة، فشكر الله لهن على ذلك، فحبسه عليهن. فقال: لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَلا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ يعني: لا يحل لك أن تطلق واحدة منهن، وتتزوج غيرها. قرأ أبو عمرو: لا تحل بالتاء بلفظ التأنيث. وقرأ الباقون: بالياء، بمعنى لا يحل لك من النساء شيء. ويقال: معناه لا تحل لجميع النساء. فمن قرأ: بالتاء بالتأنيث يعني: جماعة النساء.

ثم قال: وَلَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ يعني: أسماء بنت عميس أراد أن يتزوجها، فنهاه الله تعالى عزّ وجلّ عن ذلك، فتركها وتزوجها أبو بكر- رضي الله عنه- بإذن رسول الله صلّى الله عليه وسلم إِلَّا ما مَلَكَتْ يَمِينُكَ من السريات وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً من أمر التزويج رَقِيباً يعني: حفيظاً. وروى عمرو بن دينار، عن عطاء عن عائشة- رضي الله عنها- قالت: ما مات رسول الله صلّى الله عليه وسلم حتى حلّ له النساء بعد قوله: لاَّ يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ.

قوله عز وجل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ وذلك أن أناساً من المسلمين كانوا يتحينون غذاء النبيّ صلّى الله عليه وسلم، ويدخلون عليه بغير إذن، ويجلسون وينتظرون الغداء، وإذا أكلوا جلسوا طويلاً، ويتحدثون طويلا، فأمرهم الله عز وجل بحفظ الأدب فقال:

لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ يعني: إلا أن يدعوكم ويأذن لكم في الدخول غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ يعني: من غير أن تنتظروا وقته. ويقال: أصله إدراك الطعام يعني:

غير ناظرين إدراكه. ويقال: إِناهُ يعني: نضج الطعام.

ثم قال: وَلكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا يعني: إذا دعاكم إلى الطعام فادخلوا بيته فَإِذا طَعِمْتُمْ الطعام فَانْتَشِرُوا يعني: تفرقوا وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ أي: لا تدخلوا مستأنسين للحديث إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ أن يقول لكم تفرقوا وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ يعني: من بيان الحق أن يأمركم بالخروج بعد الطعام.

قال الفقيه أبو الليث: في الآية حفظ الأدب والتعليم أن الرجل إذا كان ضيفاً لا ينبغي أن يجعل نفسه ثقيلاً، ولكنه إذا أكل ينبغي أن يخرج.

ثم قال: وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً يعني: إذا سألتم من نسائه متاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ولا تدخلوا عليهن، واسألوا من خلف الستر. ويقال: خارج الباب ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ من الريبة.

<<  <  ج: ص:  >  >>