للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الشرط والجزاء. فلم يشكروا ربهم، فسألوا ربهم أن تكون القرى والمنازل بعضها أبعد من بعض.

لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وقد كانوا في قراهم آمنين منعّمين فذلك قوله: لَيالِيَ وَأَيَّاماً آمِنِينَ يعني: أنهم كانوا يسيرون من قرية إلى قرية بالليل والنهار، آمنين من الجوع، والعطش، واللصوص، والسباع. قرأ ابن كثير وأبو عمرو بَعْدَ بغير ألف وتشديد العين. وقرأ الباقون باعِدْ بالألف وهما لغتان بَعّدَ باعد. وقرأ يعقوب الخضرمي وكان من أهل البصرة رَبَّنا بضم الباء باعِدْ بنصب العين وهو على معنى الخبر.

وروى الكلبي عن أبي صالح أنه قرأ هكذا معناه رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا فلذلك لا ينصب.

ثم قال: وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ بالشرك وتكذيب الأنبياء فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ يعني:

أهلكهم الله تعالى فصاروا أحاديث للناس يتحدثون في أمرهم وشأنهم لم يبق أحد منهم في تلك القرى وَمَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ أي: فرقناهم في كل وجه، فألقى الله الأزد بعمان، والأوس والخزرج بالمدينة، وهما أخوان وأهل المدينة كانوا من أولادهما إحدى القبيلتين الخزرج والأخرى الأوس، فسموا باسم أبيهم. وخزاعة بمكة كانوا بنو خزاعة، منهم لخم وجذام بالشام. ويقال كلب وغسان إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أي: في هلاكهم وتفريقهم لعبرات لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ يعني: للمؤمنين الذين صبروا على طاعة الله تعالى، وشكروا نعمته.

قوله عز وجل: وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ يعني: على أهل سبأ. ويقال: هذا ابتداء. يعني: جميع الكفار وذلك أن إبليس قد قال: قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (٨٢) إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (٨٣) [ص: ٨٢- ٨٣] فكان ذلك ظناً منه فصدق ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً يعني: طائفة مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وهم الذين قال الله تعالى: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ [الحجر: ٤٢] وقال سعيد بن جبير: كان ظنه أنه قال: أنا ناري وآدم طيني والنار تأكل الطين.

وكذا روي عن ابن عباس- رضي الله عنه- قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: وَلَقَدْ صَدَّقَ بالتخفيف يعني: صدق في ظنه. وقرأ الباقون: صَدَّقَ بالتشديد. يعني: صار ظنه صدقاً.

قوله عز وجل: وَما كانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطانٍ يعني: لم يكن له عليهم ملك فيقهرهم. ويقال: يعني ما سلطناه عليهم إلا لنختبرهم من الذي يطيعنا. وقال الحسن البصري- رحمة الله-: والله ما ضربهم بعصا، ولا أكرههم على شيء، وما كان إلا غروراً وأماني دعاهم إليها فأجابوه. وقال قتادة: والله ما كان ظنه إلا ظناً، فنزل الناس عند ظنه. وقال معمر:

قال لي مقاتل: إن إبليس لما أنزل آدم- عليه السلام- ظن أن في ذريته من سيكون أضعف

<<  <  ج: ص:  >  >>