فقال عز وجل: أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ مَاء يعني: المطر فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها من الثمار الأحمر، والأصفر، والحلو، والحامض وَمِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ يعني: خلق من الجبال جدداً يعني: جماعة الجدة. والجدة هي الطريق التي في الجبل والجدد هي الطرائق. فترى الطريق من البعد منها أبيض، وبعضها حمر. وقال القتبي: الجدد الخطوط والطرق تكون في الجبال، فبعضها بيض وبعضها حمر، وبعضها غرابيب سود، وهو جمع غربيب وهو الشديد السواد. ويقال: أسود غربيب وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَغَرابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ يعني: خلق من الناس والدواب وَالْأَنْعامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ كَذلِكَ أي:
كاختلاف الثمرات.
ثم استأنف فقال: إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ وقال بعضهم: إنما يتم الكلام عند قوله: مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ.
ثم استأنف فقال: كَذلِكَ إِنَّما يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبادِهِ الْعُلَماءُ يعني: هكذا يخشى الله من عباده العلماء. يعني: إن العلماء يعلمون خلق الله تعالى ويتفكرون في خلقه، ويعملون ثوابه وعقابه فيخشونه، ويعلمون بالطاعة طمعاً لثوابه، ويمتنعون عن المعاصي خشية عقابه.
وقال مقاتل: أشد الناس خشية أعلمهم بالله تعالى. فيها تقديم. وروى سفيان عن بعض المشيخة، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه سئل: يا رسول الله أينا أعلم؟ فقال:«أَخْشَاكُمْ لله تَعَالَى إنَّمَا يخشى الله من عباده العُلَمَاءُ» قالوا: يا رسول الله فأيُّ الأصحاب أفضل؟ قال:«الذي إذا ذكرت أَعَانَكَ، وإذا نَسِيتَ ذَكَّرَكَ» . قالوا: فأي الأصحاب شر؟ قال:«الذي إذا ذكرت لَمْ يُعِنْكَ، وإذا أُنْسِيتَ لَمْ يُذَكِّرْكَ» . قالوا: فأيُّ الناس شر؟ قال:«اللُّهُمَّ اغْفِرْ لِلعُلَمَاءِ. وَالعَالِمُ إذا فَسَدَ فَسدَ النَّاسُ» .
ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ في ملكه غَفُورٌ لمن تاب.
قوله عز وجل: إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتابَ اللَّهِ يعني: يقرءون القرآن. ويقال: معناه يتبعون كتاب الله تعالى. يقال: تلا يتلوا إذا تبعه كقوله تعالى: وَالْقَمَرِ إِذا تَلاها (٢)[الشمس: ٢] وَأَقامُوا الصَّلاةَ يعني: أتموا الصلوات في مواقيتها وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْناهُمْ يعني: تصدقوا مما أعطيناهم من الأموال سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجارَةً لَنْ تَبُورَ يعني: لن تهلك ولن تخسر.
ومعناه: يَرْجُونَ تِجارَةً رابحة وهي الجنة مكان الحياة الدنيا.
ثم قال عز وجل: لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ يعني: يوفر ثواب أعمالهم وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ يعني: من رزقه من الجزاء، والثواب في الجنة. ويقال: مِنْ فَضْلِهِ يعني: من تفضله إِنَّهُ غَفُورٌ لذنوبهم شَكُورٌ لأعمالهم اليسيرة. والشكر على ثلاثة أوجه. الشكر ممن يكون دونه الطاعة لأمره وترك مخالفته. والشكر ممن هو شكله يكون الجزاء والمكافأة.