يغتسلن وأصله يتطهرون، فأدغمت التاء في الطاء فصار يَطْهُرْنَ. فمن قرأ يَطْهُرْنَ أي يغتسلن، ومن قرأ يَطْهُرْنَ أي حتى يطهرن من الحيض.
قال الفقيه الزاهد نعمل بالقراءتين جميعاً فإن كانت المرأة أيام حيضها أقل من عشرة أيام فلا يجوز أن يقربها ما لم تغتسل أو يمضي عليها وقت صلاة وإن كانت أيام حيضها عشرة، فإذا انقطع عنها الدم وتمت العشرة، جاز له أن يقربها بغير غسل. ثم قال تعالى: فَإِذا تَطَهَّرْنَ، يعني أي اغتسلن من الحيض، فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّهُ، أي جامعوهن من حيث رخص لكم الله في موضع الجماع.
ويقال: لما نزلت هذه الآية فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ، اعتزلوا النساء في أيام الحيض وأخرجوهن من البيوت فقدم أناس من الأعراب وقالوا: يا رسول الله البرد شديد وقد اعتزلنا النساء، وليس كلنا يجد سعة لذلك فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ الله صلى الله عليه وسلم:«إنَّمَا أَمَرَكُمْ أَنْ تَعْتَزِلُوا النِّسَاءَ عَنْ مُجَامَعَتِهِنَّ، وَلَمْ يَأْمُرْكُمْ أَنْ تُخْرِجُوهُنَّ مِنَ البُيُوتِ كَمَا تَفْعَلُ الأعَاجِمُ» .
ثم قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ، يعني التوابين من الشرك والذنوب. وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ، أي من الجنابة والأحداث. ويقال: ويحب المتطهرين من إتيانهن في المحيض، في أدبارهن يتنزهون عن ذلك. ويقال: ويحب التّوابين من الذنوب والمتطهرين الذين لم يذنبوا. فإن قيل: كيف قدَّم بالذكر الذي تاب من الذنوب على الذي لم يذنب؟ قيل له: إنما قدمهم لكيلا يقنط التائب من الرحمة، ولا يعجب المتطهر بنفسه كما ذكر في آية أخرى:
ثم قال عز وجل: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ. يقول: مزرعة لكم للولد، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ.
والحرث في اللغة هو الزرع، فسمى النساء حرثاً على وجه الكناية، أي هن للولد كالأرض للزراعة. قوله: أَنَّى شِئْتُمْ، أي كيف شئتم إن شئتم مستقبلين، وإن شئتم مستدبرين، إذا كان في صمام واحد. وذلك أن اليهود كانوا يقولون: لا يجوز إتيان النساء إلا مستلقياً، وكانوا يقولون: إذا أتاها من خلفها، يكون الولد أحول، فنزل قوله تعالى فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ.
قال النبيّ صلّى الله عليه وسلم:«لا يَنْظُرُ الله عَزَّ وَجَلَّ إلَى رَجُلٍ أَتَى رَجُلاً أوِ امْرَأةً فِي دبرها» . وعن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال:«مَلْعُونٌ مَنْ أَتَى امْرَأَةً فِي دُبرِهَا» .
ثم قال تعالى: وَقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ من الولد الصالح. ويقال قدموا لأنفسكم من العمل الصالح. ويقال: سموا الله أي قولوا بسم الله الرحمن الرحيم عند ذلك. ثم قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ، أي اخشوا الله ولا تقربوهن في حال الحيض ولا في أدبارهن. وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ، أي تصيرون إليه يوم القيامة، فيجزيكم بأعمالكم. وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ الذين يحافظون على حدود الله ويصدقون بوعده.