قوله عز وجل: وَما كانَ لِبَشَرٍ يعني: لأحد من خلق الله أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً يعني: يرسل إليه جبريل، ليقرأ عليه. ويقال: إِلَّا وَحْياً يعني: إلهاماً ويقال: يسمع الصوت فيفهمه وذلك، أن اليهود قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلم ألا يكلمك الله، أو ينظر إليك، إن كنت نبياً كما كلم موسى فنزل وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ يعني: ما جاز لأحد من الآدميين، أَن يُكَلِّمَهُ الله، إِلاَّ وحياً يعني: يسمع الصوت، أو يرى في المنام، ولا يجوز أن يكلمه مواجهة عياناً في الدنيا.
أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ فيكلمه، كما كلم موسى أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا كما أرسل إلى النبي صلّى الله عليه وسلم فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ يعني: فيرسل بأمره. ويقال: بِإِذْنِهِ مَا يَشاءُ من أمره. قرأ نافع وابن عامر أَوْ يُرْسِلَ بضم اللام وقرأ الباقون بالنصب، فمن قرأ بالضم، فمعناه أو هو يرسل رسولاً، ومن قرأ بالنصب، فعلى الإضمار أيضاً، ومعناه أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ قرأ نافع وابن عامر فيوحي بسكون الياء، ومعناه أو هو يرسل رسولاً فيوحي وقرأ الباقون بالنصب فَيُوحِيَ لإضمار أن إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ يعني: أعلى من أن يكلم أحداً في الدنيا مواجهة، ولا يراه فيها أحد عياناً حَكِيمٌ حكم ألا يكلم أحداً في المواجهة، ولا يراه أحد.
أوحينا إليك روحاً، يعني: القرآن. وقال القتبي: الروح روح الأجسام، ويسمى كلام الله تعالى، روحاً لأن فيه حياة من الجهل، وموت الكفر كما قال: يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ [غافر: ١٥] ثم قال: وَكَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا. مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَلَا الْإِيمانُ يعني: ما كنت تدري قبل الوحي، أن تقرأ القرآن، ولا تدري كيف تدعو الخلق إلى الإيمان.
وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً يعني: أنزلنا جبريل بالقرآن. ضياءً من العمى، وبياناً من الضلالة.
فإن قيل سبق ذكر الكتاب والإيمان ثم قال: وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً ولم يقل جعلناهما؟ قيل له:
لأن المعنى هو الكتاب، وهو دليل على الإيمان. ويقال لأن شأنهما واحد كقوله: وَجَعَلْنَا ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً [المؤمنون: ٥٠] ولم يقل آيتين ويقال: وَلكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً يعني: الإيمان كناية عنه، ولأنه أقرب.
نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا يعني: نوفق من نشاء للهدى، من كان أهلاً لذلك وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ يعني: لتدعو الخلق إلى دين الإسلام. قوله عز وجل:
صِراطِ اللَّهِ يعني: دين الله الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ من خلق أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ أي: ترجع إليه عواقب الأمور، والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد، وعلى آله وصحبه، وسلم تسليما.