قوله تعالى قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ يعني: ما أنا أول رسول بعث وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ يعني: يرحمني وإياكم، أو يعذبني وإياكم. وقال الحسن في قوله: وَمَا أدرى ما يفعل بى وَلا بِكُمْ، يعني: في الدنيا. وقال الكلبي: وذلك أنه رأى في المنام، أنه أخرج إلى أرض، ذات نخل وشجر، فأخبر أصحابه، فظنوا أنه وحي أوحي إليه، فاستبشروا، فمكثوا بذلك ما شاء، فلم يروا شيئاً مما قال لهم، فقالوا يا رسول الله، ما رأينا الذي قلت لنا.
فقال:«إنَّمَا كَانَ رُؤْيَا رَأَيْتُها، وَلَمْ يَأْتِ وَحْيٌ مِنَ السَّمَاءِ، وَمَا أَدْرِي أَيَكُونُ ذلك أَوْ لا يَكُونُ» .
فنزل قوله قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ يعني: ما كنت أولهم، وقد بعث قبلي رسل كثير، وَما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي، وَلا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ ويقال: ما أدري ما يفعل بى ولا بكم، يرحمني وإياكم، أو يعذبني وإياكم، فقالوا للنبي صلّى الله عليه وسلم: إذاً لا فرق بيننا وبينك، كما نحن لا ندري ما يفعل بنا، ولا تدري ما يفعل بك. وقد عير المشركون المسلمين فقالوا: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً [الإسراء: ٤٧] لا يدري ما يفعل به، فأنزل الله تبارك وتعالى: تَبارَكَ الَّذِي إِنْ شاءَ جَعَلَ لَكَ خَيْراً مِنْ ذلِكَ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَيَجْعَلْ لَكَ قُصُوراً [الفرقان: ١٠] فلما قدم النبي صلّى الله عليه وسلم المدينة، نزل عليه لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَما تَأَخَّرَ [الفتح: ٢٠] وقد نسخت هذه الآية إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا رَجُلًا مَسْحُوراً [الأسراء: ٤٧] .
ثم قال تعالى: وَما أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ مُبِينٌ يعني: مخوف، مفقه لكم بلغة تعرفونها. قوله تعالى: قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يعني: إن كان القرآن من عند الله تعالى وَكَفَرْتُمْ بِهِ يعني: جحدتم بالقرآن وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ قال مجاهد، وعكرمة، وقتادة هو عبد الله بن سلام. وروى عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه قال سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلم يقول:«لا يُشْهَدُ لأحَدٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ أَنَّهُ من أهل الجنة إلا لِعَبْدِ الله بْنِ سَلامٍ» وفيه نزلت وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ أي: على مثل شهادة عبد الله بن سلام. يعني:
بنيامين على مثله. يعني: على مثل شهادة عبد الله بن سلام، وكان ابن أخ عبد الله بن سلام، شهد على نبوة محمد صلّى الله عليه وسلم.
وروى وكيع، عن ابن عون قال: ذكر عند الشعبي وَشَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ أنه عبد الله بن سلام. فقال الشعبي: وكيف يكون عبد الله بن سلام هو الشاهد، وهذه السورة مكية، وكان ابن سلام بالمدينة. قال ابن عون: فثبت أن محمدا صلّى الله عليه وسلم قال: صدق الشعبي إن تلك السورة نزلت بمكة، ولكن هذه الآية نزلت بالمدينة، فوضعت في هذه السورة. وروى داود بن أبي هند، عن الشعبي، عن مسروق قال: والله ما هو عبد الله بن سلام، ولقد أنزلت بمكة، فخاصم به النبيّ صلّى الله عليه وسلم الذين كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ مكة، أن التوراة مثل القرآن، ومُوسَى مثل محمد صلّى الله عليه وسلم، وكُل مؤمن بالتوراة فهو شاهد من بني إسرائيل. ثم قال: فَآمَنَ وَاسْتَكْبَرْتُمْ يعني: تكبرتم وتعاظمتم عن الإيمان إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ يعني: الكافرين.