للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال الله تعالى: وَوَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً يعني: أمرنا الإنسان بالإحسان إلى والديه. قال مقاتل والكلبي: نزلت الآية، في شأن أبي بكر الصديق، رضي الله عنه، ويقال:

هذا أمر عام لجميع الناس. قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم إحْسَاناً بالألف، ومعناه: أمرناه بأن يحسن إليهما إحساناً. والباقون حُسْناً بغير ألف، فجعلوه اسماً، وأقاموه مقام الإحسان.

ثم ذكر حق الوالدين، فقال: حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً يعني: في مشقة وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً يعني: في مشقة وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ يعني: حمله في بظن أمه، وفصاله ورضاعه ثَلاثُونَ شَهْراً وروى وكيع بإسناده، عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: إن رجلاً قال له:

إني تزوجت جارية سليمة بكراً، لم أر منها ريبة، وإنها ولدت لستة أشهر. فقرأ علي وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كامِلَيْنِ [البقرة: ٢٣٣] وقرأ وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً فالحمل ستة أشهر، والرضاع سنتين، والولد ولدك. وقال وكيع: هذا أصل، إذا جاءت بولد لأقل من ستة أشهر، لم يلزمه فيفرق بينهما.

ثم قال حَتَّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ يعني: بلغ ثلاثاً وثلاثين وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً صدق بالنبي صلّى الله عليه وسلم، يعني: أبا بكر قالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ يعني: ألهمني ما أؤدي به شكر نعمتك، وما أوزعت به نفسي، أن أكفها عن كفران نعمتك، وأصله من وزعته. أي:

دفعته قال: رب أوزعني أن أشكر. يعني: أن أؤدي شكر نعمتك الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ بالإسلام وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ يعني: تقبله وَأَصْلِحْ لِي فِي ذُرِّيَّتِي يعني:

أكرمهم بالتوحيد. ويقال: اجعلهم أولاداً صالحين مسلمين، فأسلموا كلهم إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ يعني: أقبلت إليك بالتوبة وَإِنِّي مِنَ الْمُسْلِمِينَ يعني: المخلصين، الموحدين على دينهم.

قوله تعالى أُولئِكَ يعني: أهل هذه الصفة. يعني: أبا بكر ووالديه، وذريته، ومن كان في مثل حالهم الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا يعني: ستجزيهم بإحسانهم. قرأ حمزة، والكسائي، وعاصم في رواية حفص، نَتَقَبَّل بالنون وَنَتَجاوَزُ بالنون. وقرأ الباقون بالياء والضم. فمن قرأ بالنون، فهو على معنى الإضافة إلى نفسه، يعني: نتقبل نحن، ونصب أحسن لوقوع الفعل عليه، ومن قرأ بالياء والضم، فهو على معنى فعل، ما لم يسم فاعله. ولهذا رفع قوله: «أَحْسَنُ» لأنه مفعول ما لم يسم فاعله.

ثم قال وَنَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ يعني: ما فعلوا قبل التوبة، فلا يعاقبون عليها فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>