وبهذا الإسناد، عن مالك، عن زيد بن أسلم، عن القعقاع بن الحكم، عن أبي يونس مولى عائشة- رضي الله عنها- أنه قال: أمرتني عائشة أن أكتب لها مصحفاً وقالت: إذا بلغت هذه الآية فآذني فلما بلغتها آذنتها، فأملت علي: حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى:
صلاة العصر.
قال الفقيه: حدّثنا أبو إبراهيم الترمذي، عن أبي إسحاق، عن أبي جعفر الطحاوي قال:
حدّثنا علي بن معبد قال: حدثنا يعقوب بن إبراهيم عن أبي إسحاق عن أبي جعفر محمد بن علي، عن عمرو بن رافع، مولى عمر وكان يكتب المصاحف أنه قال: اكتتبتني حفصة ابنة عمر مصحفاً وقالت: إذا بلغت هذه الآية فلا تكتبها، حتى تأتيني فأمليها عليك كما حفظتها من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بلغتها أتيتها بالورقة فقالت: اكتب حافظوا على الصلوات والصلاة الوسطى صلاة العصر. ويقال: هي قراءة عبد الله بن مسعود.
وروي عن أبي هريرة وابن عمر أنهما قالا: صلاة الوسطى العصر وروي عن عاصم بن أبي النجود، عن زر بن حبيش، عن عليّ أنه قال: كنت ظننت أنها صلاة الفجر، حتى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول يوم الخندق وقد شغلوه عن صلاة العصر، قال:«مَلأَ الله بُطُونَهُمْ وَقُبُورَهُمْ نَاراً، شَغَلُونا عَنِ الصَّلاةِ الوُسْطَى، صَلاةِ العَصْرِ» . وإنما كان فائدة التخصيص بصلاة العصر، لأن ذلك وقت الشغل ويخاف فوتها ما لا يخاف لسائر الصلوات. وقد أكد بالذكر قال:
وَالصَّلاةِ الْوُسْطى خاصة. ومن طريق المعقول يدل أيضاً على أن صلاة الوسطى هي صلاة العصر، لأن قبلها صلاتي النهار وبعدها صلاتي الليل.
ثم قال تعالى: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ، أي قوموا لله طائعين في الصلاة مطيعين. ويقال:
صلوا لله قائمين، فكأنه أمر بطول القيام في الصلاة. كما قال في آية أخرى: يا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ [آل عمران: ٤٣] . وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن أفضل الصلاة فقال:«التِي يُطِيلُ القُنُوتَ فِيهَا» ، يعني القيام. ويقال: قانتين، يعني ساكتين، كما روي عن زيد بن أرقم أنه قال:
كنا نتكلم في الصلاة، حتى نزلت هذه الآية: وَقُومُوا لِلَّهِ قانِتِينَ، فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام. وقال الزجاج: المشهور في اللغة الدعاء في القيام، وحقيقة القانت القائم بأمر الله تعالى.
ثم قال: فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجالًا أَوْ رُكْباناً، يعني إذا خفتم العدو فصلوا قياماً، فإن لم تستطيعوا فصلوا ركباناً على الدواب، حيث ما توجهت بكم بالإيماء. وهذا موافق لما روي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه ذكر صلاة الخوف، ثم قال في آخره «فَإنْ كانَ الخَوْفُ أَشَدَّ مِنْ ذِّلِكَ، صَلُّوا عَلَى أَقْدَامِكُمْ أَوْ رُكْبَاناً مُسْتَقْبِلِي القِبْلَةِ أَوْ غَيْرَ مُسْتَقْبِلِيهَا» . فَإِذا أَمِنْتُمْ، يعني العدو والخوف، فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَما عَلَّمَكُمْ، يعني صلوا كما علمكم أربعاً أو اثنتين. وعلمكم مَّا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، يعني علمكم الصلاة ولم تكونوا تعلمون من قبل.