للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عز وجل: لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ يعني: حقق الله تعالى رؤيا رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالوفاء، والصدق، وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم رأى في المنام قبل الخروج إلى الحديبية، أنهم يدخلون المسجد الحرام. فأخبر الناس بذلك، فاستبشروا. فلما صدهم المشركون، قالت المنافقون في ذلك ما قالت. فنزل لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ يعني: يصدق رؤياه بالحق لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ يعني: ما أخبر أصحابه أنهم يدخلون المسجد الحرام في العام الثاني. ويقال: نزلت الآية بعد من دخلوا في العام الثاني لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ يعني: ما أخبر أصحابه أنهم يدخلون المسجد الحرام إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ يعني: لتدخلن إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ يعني: بإذن الله، وأمره.

ويقال: هذا اللفظ حكاية الرؤيا. وذلك أن النبي صلّى الله عليه وسلم حين رأى في المنام، رأى كأن ملكاً ينادي وهو يقول: لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله، فأنزل الله تعالى لَقَدْ صَدَقَ اللَّهُ رَسُولَهُ الرُّؤْيا بِالْحَقِّ وهو قول الملك لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللَّهُ آمِنِينَ من العدو مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ يعني: منهم من يحلق، ومنهم من يقصر لاَ تَخافُونَ العدو فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا قال مقاتل: فعلم أن يفتح عليهم خيبر قبل ذلك، فوعد لهم الفتح، ثم دخول مكة، ففتحوا خيبر، ثم رجعوا، ثم دخلوا مكة، وأتوا عمرة القضاء. وقال الكلبي في قوله: فَعَلِمَ مَا لَمْ تَعْلَمُوا يعني: علم الله أنه سيكون في السنة الثانية، ولم تعلموا أنتم، فلذلك وقع في أنْفسكم ما وقع فَجَعَلَ مِنْ دُونِ ذلِكَ فَتْحاً قَرِيباً يعني: فتح خيبر.

ثم قال عز وجل: هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى يعني: بالتوحيد شهادة أن لا إله إلا الله وَدِينِ الْحَقِّ وهو الإسلام لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ يعني: على الأديان كلها قبل أن تقوم الساعة. فلا يبقى أهل دين إلا دخلوا في الإسلام وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً بأن محمداً رسول الله صلّى الله عليه وسلم، وإن لم يشهد كفار مكة، وذلك حين أراد أن يكتب محمد رسول الله، فقال سهيل بن عمرو: إنا لا نعرف بأنك رسول الله ولا نشهد.

قال الله عزّ وجلّ: وَكَفى بِاللَّهِ شَهِيداً وإن لم يشهد سهيل، وأهل مكة. قال عز وجل: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ من المؤمنين أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ بالغلظة رُحَماءُ بَيْنَهُمْ يعني: متوادّين فيما بينهم تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يعني: يكثرون الصلاة يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً يعني: يلتمسون من الحلال. وقال بعضهم: وَالَّذِينَ مَعَهُ يعني: أبا بكر أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ يعني: عمر رُحَماءُ بَيْنَهُمْ يعني: عثمان تَراهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يعني:

عليّاً رضوان الله عليهم أجمعين يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْواناً يعني: الزبير، وعبد الرحمن بن عوف سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ يعني: علاماتهم، وهي الصفرة في وجوههم مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ يعني: من السهر بالليل. ويقال: يعرفون غُرّاً محجلين يوم القيامة، من أثر الوضوء. وقال مجاهد: سِيماهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ قال: الخشوع، والوقار. وقال منصور:

<<  <  ج: ص:  >  >>