قوله تعالى: الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسائِهِمْ قرأ عاصم يظاهرون بضم الياء وكسر الهاء، والتخفيف من ظاهر يظاهر، وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، يظهارون بنصب الياء، مع التشديد، وهو في الأصل يتظهرون، فأدغمت التاء في الظاء، والمعنى في هذا كله واحد، يقال: ظاهر من امرأته، وتظهَّر منها، وأظهر منها، إذا قال لها: أنت علي كظهر أمي.
ثم قال: مَّا هُنَّ أُمَّهاتِهِمْ وروى الفضل عن عاصم، أمهاتُهم بضم التاء، لأنه خبر ما، كقولك ما زيد عالم، وقرأ الباقون بالكسر، لأن التاء في موضع النصب، فصار خفضاً لأنها تاء الجماعة، وهي لغة أهل الحجاز، فينصبون خبر «ما» ، كقوله ما هذا بشراً، ما هن كأمهاتهم في الحرمة إِنْ أُمَّهاتُهُمْ يعني: ما أمهاتهم إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ يعني: الأم التي ولدته، والأم التي أرضعته، لأنه قال في موضع آخر وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ [النساء: ٢٣] .
ثم قال: وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنَ الْقَوْلِ وَزُوراً يعني: قولاً منكراً وكذباً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ يعني: ذو تجاوز غَفُورٌ، حيث جعل الكفارة لرفع الحرمة، ولم يجعل فرقة بينهما.
ثم قال: وَالَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا يعني: يعودون لنقض ما قالوا، ولرفع ما قالوا في الجاهلية فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ يعني: فعليه تحرير رقبة، ويقال ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فيه تقديم وتأخير، يعني: ثم يعودون فتحرير رقبة لما قالوا ويقال: معناه ثم يعودون لما قالوا في الجاهلية، وذلك أنهم كانوا يتكلمون بهذا القول فيرجعون إلى ذلك القول بعد الإسلام، وقال بعضهم: لا تجب الكفارة حتى يقول مرتين، لأنه قال: ثم يعودون لما قالوا، يعني: يعودون مرة أخرى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ هذا القول خلاف جميع أهل العلم، وإنما تجب الكفارة إذا قال مرة واحدة. والكفارة ما قال الله تعالى فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ [النساء: ٩٢] يعني:
عتق رقبة مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا يعني: من قبل أن يجامعها. ويقال من قبل أن يمس كل واحد منهما صاحبه ذلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ يعني: هذا الحكم الذي تؤمرون به وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ من الوفاء وغيره. وقوله تعالى فَمَنْ لَمْ يَجِدْ يعني: من لم يجد الرقبة فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ يعني: فعليه صيام شهرين مُتَتَابِعَيْنِ، لا يفصل بينهما مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا