فرعون. إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ وذلك أن فرعون لما علم بإيمانها، فطلب منها أن ترجع، فأبت ولم ترجع عن إيمانها، فوتدها بأربعة أوتاد في يديها ورجليها، وربطها وجعل على صدرها حجر الرحى، وجعلها في الشمس. فأراها الله تعالى بيتها في الجنة، ونسيت ما هي فيه من العذاب، وضحكت، فقالوا عند ذلك: هي مجنونة تضحك، وهي في العذاب.
وروى أبو عثمان النهدي، عن سلمان الفارسي قال: كانت امرأة فرعون تعذب في الشمس، فإذا ذرت، أي: طلعت الشمس وارتفعت، أظلتها الملائكة بأجنحتها، وأريت مقعدها من الجنة. وروى قتادة، عن أنس، عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال:«حَسْبُكَ مِنْ نِسَاءِ العَالَمِينَ أَرْبَعٌ مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَخَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ صلّى الله عليه وسلم وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ» .
ثُمّ قال الله عزّ وجلّ: رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ يعني: ارزقني في الجنة.
ثم قال عز وجل: وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ يعني: واذكر مريم، ويقال: معناه: وضرب الله مثلاً مريم ابنة عمران وصبرها على إيذاء اليهود، الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها يعني: عفت نفسها عن الفواحش. فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا يعني: أرسلنا جبريل- عليه السلام- فنفخ في جيب درعها، وذلك قوله: فَنَفَخْنا فِيهِ مِنْ رُوحِنا أي: في جيبها، أي روحاً من أرواحنا، وهي روح عيسى- عليه السلام- وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها أي: صدقت بعيسى- عليه السلام- ويقال: صدقت بالبشارات التي بشرها بها جبريل. وَكُتُبِهِ يعني: آمنت بكتاب الله تعالى وقرأ أبو عمرو وعاصم في رواية حفص وَكُتُبِهِ يعني: الكتب التي أنزلت على الأنبياء، والباقون بكتابه يعني: الإنجيل. وقرأ بعضهم وَصَدَّقَتْ بِكَلِماتِ رَبِّها يعني: صار عيسى مخلوقاً بكلمة الله، فصدقت بذلك. وَكانَتْ مِنَ الْقانِتِينَ يعني: المطيعين لله.