ثم قال عز وجل: فَذَرْنِي وَمَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ يعني: دع هؤلاء الذين لا يؤمنون بالقرآن. ويقال: فوض أمرهم إليَّ، فإني قادر على أخذهم متى شئت. سَنَسْتَدْرِجُهُمْ يعني:
سنأخذهم وسنأتيهم بالعذاب. مِنْ حَيْثُ لاَ يَعْلَمُونَ يعني: نذيقهم من العذاب درجة، من حيث لا يعلمون أن العذاب نازل بهم. وأصله في اللغة من الارتقاء في الدرجة. وقال السدي:
كلما جددوا معصية، جدد لهم نعمة وأنساهم شكرها، فذلك الاستدراج. وَأُمْلِي لَهُمْ يعني: أمهل لهم وأؤجل لهم إلى وقت. إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ يعني: عقوبتي شديدة إذا نزلت بهم لا يقدرون على دفعها.
ثم قال: أَمْ تَسْئَلُهُمْ أَجْراً؟ يعني: أتسألهم على الإيمان جملاً؟ فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ يعني: لأجل الغرم يمتنعون. وهذا يرجع إلى قوله: أَمْ لَكُمْ كِتابٌ فِيهِ تَدْرُسُونَ.
ثم قال: أَمْ عِنْدَهُمُ الْغَيْبُ؟ يعني: اللوح المحفوظ. فَهُمْ يَكْتُبُونَ يعني: ما يقولون. ثم قال عز وجل: فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ يعني: على ما أمر ربك ولقضاء ربك. وَلا تَكُنْ كَصاحِبِ الْحُوتِ يعني: لا تكن في قلة الصبر والضجر مثل يونس- عليه السلام- إِذْ نادى وَهُوَ مَكْظُومٌ يعني: مكروباً في بطن الحوت، وقال الزجاج: مَكْظُومٌ أي مملوء غماً.
لَوْلا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ يعني: لولا النعمة والرحمة التي أدركته من الله تعالى، لَنُبِذَ بِالْعَراءِ يعني: لطرح بالصحراء. والصحراء هي الأرض التي لا يكون فيها نخل ولا شجر، يوارى فيها وَهُوَ مَذْمُومٌ يعني: يذم ويلام. ولكن كان رحمة من الله تعالى، حيث نبذ بالعراء وهو سقيم وليس بمذموم.
. ثم قال عز وجل: وَإِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: أراد الذين كفروا. لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ يعني: ليرهقونك بأبصارهم إن قدروا على ذلك. ويقال: معناه إذا قرأت القرآن، فينظرون إليك نظراً شديداً بالعداوة، يكاد يزلقك أي:
بالعداوة يسقطك من شدة النظر. وذكر عن الفراء أنه قال: لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ يعني:
يعتانونك يعني: يصيبونك بعيونهم. وذلك أن رجلاً من العرب، كان إذا أراد أن يعتان شيئاً، يقبل على طريق الإبل إذا صدرت عن الماء، فيصيب منها ما أراد بعينه، فأرادوا أن يصيبوا النبيّ صلّى الله عليه وسلم.