ثم قال عز وجل: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا يعني: بشركهم بالله تعالى أُغرقوا في الدنيا.
فَأُدْخِلُوا نَاراً في الآخرة. قال مقاتل: مِمَّا خَطِيئاتِهِمْ أُغْرِقُوا بخطياتهم وقال القتبي:
(بما خطياتهم أغرقوا) يعني: من خطيئاتهم أغرقوا، والميم زيادة. ثم قال: فَلَمْ يَجِدُوا لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْصاراً يعني: أعواناً يمنعونهم من العذاب. قرأ أبو عمرو خَطاياهُمْ، والباقون خَطِيئاتِهِمْ ومعناهما واحد، وهو جمع خطيئة.
قوله تعالى: وَقالَ نُوحٌ رَبِّ لاَ تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيَّاراً يعني: لا تدع على ظهر الارض من الكافرين ديارا، يعني: أحداً منهم ويقال: أصله من الدار يعني: نازلاً بها، ويقال: في الدار أحد وما بها ديار وأصله ديوار، فقلبت الواو ياء ثم شددت وأدغمت الياء في الياء. ثم قال عز وجل: إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ يعني: إنك إن تتركهم ولم تهلكهم، يدعوا الموحدين إلى الكفر. وَلا يَلِدُوا إِلَّا فاجِراً كَفَّاراً يعني: يكون منهم الأولاد، يكفرون ويفجرون بعد البلوغ ويقال: يعني: ولا يلدوا إلا أن يكونوا فجاراً كفاراً. وهذا كما قال النبي صلّى الله عليه وسلم:«الشَّقِيُّ مَنْ شَقِيَ فِي بَطْنِ أُمِّهِ وَالسَّعِيدُ مَنْ وُعِظَ بِغَيْرِهِ» .
ثم قال عز وجل: رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً يعني: سفينتي وديني. وقال الكلبي: وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً يعني: مسجدي. وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَباراً يعني: لا تزد الكافرين إلا هلاكاً، كقوله: تَبَّرْنا تَتْبِيراً. وروى عكرمة، عن ابن عباس- رضي الله عنه- كان إذا قرأ القرآن في الليل، فمر بآية فيقول لي: يا عكرمة ذكرني عند هذه الآية غداً. فقرأ ذات ليلة هذه الآية، فقال: يا عكرمة، ذكرني غداً.
فذكرته ذلك، فقال: إن نوحاً دعا بهلاك الكافرين، ودعا للمؤمنين بالمغفرة، وقد استجيب دعاؤه في المؤمنين، فيغفر الله تعالى للمؤمنين والمؤمنات بدعائه، وبهلاك الكافرين فأهلكوا.
وروي عن بعض أصحاب النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال:«نَجَاةُ المُؤْمِنِينَ فِي ثَلاَثَةِ أشْيَاءٍ: بِدُعَاءِ نُوْحٍ- عَلَيْهِ السَّلاَمُ- وَبِدُعَاءِ إِسْحَاقَ- عليه السلام- وَبِشَفَاعَةِ محمّد صلّى الله عليه وسلم» يعني: للمؤمنين والله أعلم.