للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منهم، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب لهم كتاباً، وكتب في أسفله إنَّ لكم ما للمسلمين، وعليكم ما عليهم، فلما حلّ الأجل طلب ثقيف رباهم، فاختصموا إلى أمير مكة، وهو عتاب بن أسيد، فكتب بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ ولا تستحلوا الرِّبا وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ يعني مصدقين بتحريم الرِّبا. ثم خوفهم فقال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا أي لم تقروا بتحريم الربا ولم تتركوه فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ.

قرأ حمزة وعاصم في رواية أبي بكر فآذِنوا بمد الألف وكسر الذال، وقرأ أبو عمرو وورش عن نافع، فأْذَنُوا بترك الهمزة ونصب الذال، وقرأ الباقون بجزم الألف ونصب الذال، فمن قرأ فَأْذَنُوا بالجزم معناه: فاعلموا بِحَرْبٍ مِّنَ الله، يعني بإهلاك من الله. ويقال معناه:

فاعلموا بأنكم كفار بالله وَرَسُولِهِ ومن قرأ فآذنوا بالمد يقول: اعلموا بعضكم بعضاً بحرب، أي بإهلاك من الله تعالى ورسوله. فقالوا: ما لنا بحرب من الله ورسوله طاقة فما توبتنا؟؟

فقال تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ التي أسلفتم. وقال النبيّ صلّى الله عليه وسلم: «كُلُّ رِباً كَانَ فِي الجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ وَأَوَّلُ رباً وُضِعَ رِبَا العَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ المُطَّلِبِ، وكُلُّ دَمٍ كانَ في الجَاهِلِيَّةِ فَهُوَ مَوْضُوعٌ، وَأَوَّلُ دَمٍ وُضِعَ دَمُ رَبِيعَةَ بْنِ الحارث بن عبد المطلب» . ثم قال: لاَ تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ يعني الطالب لا يظلم بطلب الزيادة، ويرضى برأس المال، ولا يظلم المطلوب، فينتقص عن رأس المال، وذلك أنهم طلبوا رؤوس أموالهم من بني المغيرة، فشكوا العسرة يعني بني المغيرة وقالوا: ليس لنا شيء، وطلبوا الأجل إلى وقت إدراك ثمارهم، فنزل قوله تعالى: وَإِنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ يعني إن كان المطلوب ذو شدة فَنَظِرَةٌ إِلى مَيْسَرَةٍ يقول:

أجله أن يتيسر عليه بإدراك ثماره وَأَنْ تَصَدَّقُوا يقول: لو تصدقتم ولا تأخذونه فهو خَيْرٌ لَكُمْ ويقال: لئن تصدقتم بالتأخير فهو خَيْرٌ لَّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ أن الصدقة خير لكم.

قرأ نافع إلى ميسرة بضم السين. وقرأ الباقون والنصب، وهما لغتان ومعناهما واحد.

وقرأ عطاء فناظرة بالألف. وقرأ العامة بغير ألف، ومعناها واحد. وقرأ عاصم وأن تصدقوا بتخفيف الصاد. وقرأ الباقون بالتشديد، لأن التاء أدغم في الصاد، وأصله تتصدقوا. ثم قال تعالى: وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ يقول اجتنبوا عذاب يوم ترجعون فِيهِ إِلَى اللَّهِ يعني في يوم القيامة ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ من خير أو شر وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ

يقول: وهم لا ينقصون من ثواب أعمالهم شيئاً.

وروى الضحاك عن ابن عباس أنه قال آخر آية نزلت من القرآن وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ قرأ أبو عمرو تُرْجَعُونَ بنصب التاء وكسر الجيم وقرأ الباقون بالضم ونصب الجيم قوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>