وقرأ أبو عمرو من رسله، برفع السين، وكذلك في جميع القرآن غير هذه الحروف الأربعة، مثل رسلنا ورسلهم يقرأ بالسكون، وقرأ الباقون برفع السين في جميع القرآن. ومعنى قوله: غُفْرانَكَ رَبَّنا، أي اغفر غفرانك، وهو من أسماء المصادر كالكفران والشكران وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. يعني نحن مقرون بالبعث.
ثم قال: لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها يعني: طاقتها قال الفقيه: حدّثنا أبو الحسين قال: حدثنا محمد بن يوسف قال: حدثنا محمد بن عبد الله قال: حدّثنا مروان عن عطاء بن عجلان عن زرارة بن أبي أوفى عن أبي هريرة عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله تَجَاوَزَ عَنْ هذه الأُمَّةِ ما حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها، أَوْ هَمَّتْ بِهِ مَا لَمْ تَعْمَلْ بِهِ، أَوْ تَتَكَلَّمْ بِهِ» ثم قال لَها مَا كَسَبَتْ، وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ، رَبَّنا لاَ تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا، أي لا تؤاخذ أحداً بذنوب غيره، كما قال في آية أخرى: وَلا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى [الأنعام: ١٦٤] وقوله: إن نسينا أي إن تركنا أو أخطأنا، يعني إن كسبنا خطيئة، فأخبر الله تعالى بهذا عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم، وعن المؤمنين، وجعله في كتابه ليكون دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لهم دعوة يدعون بها من بعده، لأن هذا الدعاء قد استجيب له، فينبغي أن يحفظ، ويدعى به كثيراً.
قال الفقيه: حدثنا القاضي الخليل قال: حدثنا السراج قال: حدثنا أحمد بن سعيد الرازي قال: حدثنا سهل بن بكار قال: حدثنا أبو عوانة عن أبي مالك الأشجعي عن ربعي بن حراش عن حذيفة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «فُضِّلْنَا عَلَى النَّاسِ بِثَلاثِ خِصَالٍ: جُعِلَتْ لَنَا الأَرْضُ كُلُّهَا مَسْجِداً، وَجُعِلَتْ تُرْبَتُهَا لَنَا طَهُوراً، وَجُعِلَتْ صُفُوفُنَا كَصُفُوفِ المَلاَئِكَةِ، وَأُوتِيتُ هذه الآياتِ مِنْ آخِرِ سُورَةِ البَقَرَةِ مِنْ كَنْزٍ تَحْتَ العَرْشِ لَمْ يُعْطَ أَحَدٌ قَبْلِي، ولا تُعْطَى أَحَداً بَعْدِي» .
وروى أبو أمامة الباهلي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه قال:«تَعَلَّمُوا البَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ، فإنَّهُمَا تَجِيئَانِ يَوْمَ القِيَامَةِ كَالغَمَامَتَيْنِ- أوْ كَالغَيَايَتَيْنِ، أوْ كَفِرْقَتَيْنِ- مِنْ طَيْرٍ صَوَافَّ، وَيُحَاجَّانَ عَنْ صَاحِبِهِمَا» . ثم قال:«تَعَلَّمُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَهَا بَرَكَةٌ، وَتَرْكَهَا حَسْرَةٌ، وَلا يَسْتَطِيعُهَا البَطَلَةُ» ، يعني السَّحَرَةَ.
وروي عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم أنه نزل عليه ملك فقال له: إن الله يبشرك بنورين، لم يعطهما نبياً قبلك، فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لا يقرأ بحرف منهما إلا أعطيته نوراً. وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال:«لَوْ بَلَغَتْ سُورَةُ البَقَرَةِ ثلاثمائةِ آيةٍ، لَتَكَلَّمَتْ» يعني: لصارت بحال تتكلم، لأنه لا يبقى شيء، إلا اجتمع فيها من كثرة ما فيها من العجائب. والله سبحانه وتعالى أعلم، وصلى الله على سيدنا محمد.