للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعجب من سائر الخلق، ومن عجائبه أنه لحم ودم، يطير بغير ريش، ويلد كما يلد الحيوان، ولا يبيض كما تبيض سائر الطيور، ويكون له ضرع يخرج منه لبن، ولا يبصر في ضوء النهار، ولا في ظلمة الليل، وإنما يرى في ساعتين بعد غروب الشمس ساعة، وبعد طلوع الفجر ساعة قبل أن يسفر جداً، ويضحك كما يضحك الإنسان، ويحيض كما تحيض المرأة، فلما أن رأوا ذلك منه ضحكوا. وقالوا: هذا سِحْر.

ثم قال تعالى: وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ الأكمه الذي ولد أعمى فقالوا: إن لنا أطباء يفعلون مثل هذا، فذهبوا إلى جالينوس، وأخبروه بذلك فقال جالينوس: إذا ولد أعمى، لا يبصر بالعلاج، والأبرص إذا كان بحال إذا غرزت الإبرة فيه لا يخرج الدم منه لا يبرأ بالعلاج، فرجعوا إلى عيسى- عليه السلام- وجاءوا بالأكمه والأبرص، فمسح يده عليهما، فأبصر الأعمى، وبرأ الأبرص، فآمن به بعضهم، وجَحَد بعضهم. وقالوا: هذا سِحْر. ثم قال تعالى: وَأُحْيِ الْمَوْتى بِإِذْنِ اللَّهِ فأَخْبَروا بذلك جالينوس. فقال: الميت لا يعيش، ولا يحيى بالعلاج، فإن كان هو يحيي الموتى، فهو نبي، وليس بطبيب، فطلبوا منه أن يحيي الموتى، فأحيا أربعة نفر، أحدهم عازر، وكان صديقاً له، فبلغه أنه مات، فذهب مع أصحابه، وقد دفن، وأتى عليه أيام، فدعا الله، فقام بإذن الله تعالى وَوَدَكُه يقطر، فعاش وَوُلد له. والثاني ابن العجوز، مَرّ به وهو يحمل على سرير، فدعا الله، فقام بإذن الله تعالى، ولبس ثيابه، وحمل السرير على عنقه، ورجع إلى أهله. والثالث ابنة من بنات العاشر ماتت، وأتى عليها ليلة، فدعا الله تعالى، فعاشت بعد ذلك، وولد لها. والرابع سام بن نوح، لأن القوم قالوا له: إنك تحيي من كان موته قريباً، فلعلهم لم يموتوا، وأصابتهم سكتة، فأحيي لنا سام بن نوح. فقال: دلوني على قبره، فخرج وخرج القوم معه حتى انتهوا إلى قبره، فدعا الله تعالى، فأحياه وخرج من قبره قد شابت رأسه. فقال له عيسى: كيف شابت رأسك ولم يكن في زمانكم شيب؟ فقال: يا روح الله إنك لما دعوتني، سمعت صوتاً يقول أَجِبْ روحَ الله، فظننت أن القيامة قد قامت، فمن ذلك الهول شابت رأسي، فسأله عن النَّزْع. فقال له: يا روح الله إن مرارة النزع لم تذهب عن حنجرتي، وقد كان من وقت موته أكثر من أربعة آلاف سنة، ثم قال للقوم: صدقوه فإنه نبي الله، فآمن به بعضهم، وكذب به بعضهم. وقالوا: هذا ساحر، فأرنا آية نعلم أنك صادق، فأخبرنا بما نأكل في بيوتنا، وما نَدَّخر للغد، فأخبرهم. فقال: يا فلان أنت أكلت كذا وكذا، وأنت أكلت كذا وكذا، وادّخرت كذا وكذا، فذلك قوله عز وجل: وَأُنَبِّئُكُمْ بِما تَأْكُلُونَ وَما تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ فمنهم من آمن به، ومنهم من كفر.

ويقال إن الله بعث كل نبي إلى قومه، وأظهر لهم نوع ما كانوا يعرفونه، فكان في زمن موسى- عليه السلام- الغالب عليهم السحر، فبيَّن لهم من جنس ذلك، ليعرفوا أن ذلك ليس

<<  <  ج: ص:  >  >>