ثم قال تعالى: وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ أي بما أعطاهم الله من المال، يبخلون ويمنعون الزكاة والصدقة وصلة الأرحام، فلا يظنوا أن ذلك هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ يعني: أن البخل شر لهم. ويقال: الفضل شر لهم سَيُطَوَّقُونَ يقول سيوثقون مَا بَخِلُوا بِهِ من الزكاة كهيئة الطوق. وروي عن ابن عباس أنه قال: يأتي كنز أحدهم، شجاع أقرع له زبيبتان طوقاً في عنقه، يلدغ خديه ويقول: أنا الزكاة التي بخلت بي في الدنيا وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم نحو هذا فذلك قوله تعالى: سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ ويقال: هو طوق من نار في عنقه. ويقال: هو على وجه المثل، يعني وبال ذلك في عنقهم كما قال في آية أخرى: وَكُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ [الإسراء: ١٣] .
قوله تعالى: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني إذا هلك الخلق كلهم أهل السموات من الملائكة، وأهل الأرض من الإنس والجن وسائر الخلق، ويبقى رب العالمين ثم يقول:
لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ [غافر: ١٦] . فلا يجيب أحد فيرد على نفسه فيقول: لِلَّهِ الْواحِدِ الْقَهَّارِ [يوسف: ٣٩ وغيرها] فذلك قوله تعالى: وَلِلَّهِ مِيراثُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ يعني يهلك أهل السموات والأرض ولم يبق لأحد ملك. وإنما سمي ميراثاً على وجه المجاز، لأن القرآن بلغة العرب، وكانوا يعرفون أن من رجع الملك إليه يكون ميراثاً على وجه المجاز، وأما في الحقيقة فليس بميراث، لأن الوارث في الحقيقة هو الذي يرث شيئاً لم يكن يملكه من قبل، والله عز وجل مالكهما، وكانت السموات وما فيها والأرض وما فيها له، وإنما كانت الأموال عارية عند أربابها، فإذا ماتوا رجعت العارية إلى صاحبها الذي كانت له في الأصل. ومعنى الآية أن الله تعالى أمر عباده أن ينفقوا ولا يبخلوا، قبل أن يموتوا ويتركوا المال ميراث الله لله تعالى، ولا ينفعهم إلا ما أنفقوا.
ثم قال تعالى: وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ أي عالم بمن يؤدي الزكاة وبمن يمنعها، فيجازي كل نفس بما عملت. قرأ ابن كثير وأبو عمرو بِمَا يَعْمَلُونَ بالياء، والباقون بالتاء على وجه المخاطبة لَقَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِياءُ. وقال في رواية الضحاك: لما نزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضاً حَسَناً [البقرة: ٢٤٥ والحديد: ١١] قالت الفجرة من كفرة اليهود: أفقير ربنا فيستقرضنا؟ قالوا ذلك على وجه الاستهزاء، فنزلت هذه الآية. ويقال إن النبيّ صلّى الله عليه وسلم بعث أبا بكر إلى اليهود ليأمرهم بالإسلام، وأن يعطوا الصدقة ويؤمنوا، فلما انتهى إليهم أبو بكر قال فنحاص بن عازورا: أيسأل الله منا