للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

محمد عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً يعني على أمتك شهيداً بالتصديق لهم، لأن أمته يشهدون على الأمم المكذبة للرسالة، وذلك أنه إذا كان يَوْمُ الْقِيَامَةِ يقولُ الله تعالى للأمم الخالية: هل بلغتكم الرسل رسالاتي؟ فيقولون: لا. فقالت الرسل: قد بلغنا ولنا شهود، فيقول عز وجل: ومن شهودكم؟ فيقولون: أمة محمد صلى الله عليه وسلم، فيؤتى بأمة محمد صلى الله عليه وسلم فيشهدون بتبليغ الرسالة، بما أوحي إليهم من ربهم في كتابهم في قصة الأمم الخالية. فتقول الأمم الماضية: إن فيهم زواني وشارب الخمر، فلا يقبل شهادتهم، فيزكيهم النبيّ صلّى الله عليه وسلم فيقول المشركون: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ [سورة الأنعام: ٢٣] فيختم على أفواههم وتشهد أيديهم وأرجلهم بما كانوا يكسبون، فذلك قوله تعالى يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ أي تخسف بهم الأرض. ويقال: فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ الرسل يشهدون على قومهم بتبليغ الرسالة، ويشهد النبيّ صلّى الله عليه وسلم على أمته بتبليغ الرسالة من قبل ومن لم يقبل.

حدثنا الخليل بن أحمد، قال: حدثنا أبو منيع، قال: حدّثنا أبو كامل، قال: حدّثنا فضيل عن يونس بن محمد بن فضالة عن أبيه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتاهم من بني ظفر، فجلس على الصخرة التي في بني ظفر، ومعه ابن مسعود، ومعاذ وناس من الصحابة، فأمر قارئاً فقرأ حتى إذا أتى على هذه الآية فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً بكى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى اخضلت وجنتاه فقال: «يَا رَبّ هذا عِلْمِي بِمَنْ أَنَا بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ فَكَيْفَ بِمَنْ لَمْ أَرَهُمْ؟» .

ثم قال تعالى: يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا يعني: يتمنى الذين كفروا يعني الكفار وَعَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمُ الْأَرْضُ أي يكونوا تراباً يمشي عليهم أهل الجمع وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً وهو قولهم: وَاللَّهِ رَبِّنا ما كُنَّا مُشْرِكِينَ. قال الزجاج: قال بعضهم:

وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثاً مستأنف، لأن ما عملوا ظاهر عند الله تعالى لا يقدرون على كتمانه.

وقال بعضهم: هو كلام بناء يعني يودون أن الأرض سويت بهم، وأنهم لم يكتموا الله حديثاً لأنه مظهر كذبهم. قرأ حمزة والكسائي تُسَوَّى بنصب التاء وتخفيف السين وتشديد الواو يعني يخسف بهم، وقرأ عاصم وابن كثير وأبو عمرو تُسَوَّى بضم التاء فأدغم إحدى التاءين في الأخرى على فعل لم يسم فاعله، أي يصيروا تراباً وتسوى بهم الأرض. وقرأ نافع وابن عامر: تُسَوَّى بنصب التاء وتشديد السين والواو، لأن أصله تتسوى فأدغم إحدى التاءين في السين.

ثم قال تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>