بمحمد صلى الله عليه وسلم والقرآن، وماتوا على ذلك أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ يعني مقيمين فيها أبداً.
وقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وذلك أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم لما قدم المدينة وصالح بني قريظة وبني النضير، وهما قبيلتان بقرب المدينة، وأخذ منهم الميثاق بأن لا يكون بينهم القتال، وأن يتعاونوا فيما بينهم على الديات، فدخل مستأمنان على رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرجا من عنده فقتلهما «عمرو بن أمية الضمري» ، ولم يعلم بأنهما مستأمنان، فوداهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بدية حُرَّين مسلمين، فخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أبي بكر وعمر وعلي إلى بني النضير ليستعين بهم في ديتهما، فقالوا: مرحباً حتى نستأذن إخواننا من بني قريظة. وقال في رواية الكلبي: خرج إلى بني قريظة فقالوا: حتى نستأذن إخواننا من بني النضير، وأدخلوهم داراً وأجلسوهم في صفّة، وجعلوا يجمعون السلاح، وهموا بقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، وكانوا ينتظرون كعب بن الأشرف وكان غائباً، فنزل جبريل وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم بالقصة وخرج، فلما أبطأ الرجوع قام أبو بكر فخرج، ثم خرج عمر، ثم خرج علي رضي الله عنهم فنزلت هذه الآية:
أرادوا وتمنوا أن يمدوا أيديهم إليكم بالقتل فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ بالمنع. قال الفقيه أبو الليث: حدثنا أبو جعفر، قال: حدثنا علي بن أحمد، قال: حدثنا نصير بن يحيى، قال:
حدثنا أبو سليمان، عن محمد بن الحسن، عن محمد بن عبد الله، عن الزهري، عن عبد الله بن كعب بن مالك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إلى بني النضير ليستعين بهم في دية الكافرَيْن اللذيْن قتلهما «عمرو بن أمية الضمري» ، فهمّ بنو النضير بقتل النبي صلى الله عليه وسلم، فبلغ النبيّ صلّى الله عليه وسلم فسار إليهم فحاصرهم، وأمر بقطع النخيل وحاصرهم حتى قالوا: أتؤمننا على دمائنا وذرارينا وعلى ما حملت الإبل إلا الحلقة يعني السلاح؟ قال:«نعم» ففتحوا الحصون، وأجلاهم إلى الشام. فهذا الخبر موافق رواية مقاتل أنه خرج إلى بني النضير. وقال الضحاك:
كان سبب نزول هذه الآية أن النبيّ صلّى الله عليه وسلم خرج ذات ليلة إلى البقيع إلى قبور الشهداء وحده، فأتاه رجل من اليهود شديد محارب، فقال: إن كنت نبياً كما تزعم فأعطني سيفك هذا، فإن الأنبياء لا يبخلون، فأعطاه سيفه فشهر اليهودي السيف وهزه ليضربه به. فلم يجترئ للرعب الذي قذفه الله تعالى في قلبه، ثم ردّ عليه السيف فنزل: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ثم قال: وَاتَّقُوا اللَّهَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ ففي الآية مضمر، فكأنه قال: فاتقوا الله وتوكلوا على الله، وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ يعني على المؤمنين أن يتوكلوا على الله ويثقوا بالنصر لهم.