للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلت، فقال: قد فعلت ذلك كله وأنا تائب، لأني رأيت عيسى ابن مريم في المنام نزل من السماء، فلطم وجهي لطمة وفقأ عيني. فقال: أي شيء تريد من قومي؟ فتبت على يده، وإنما جئتكم لأكون بين ظهرانيكم، وأعلمكم شرائع دينكم، كما علمني عيسى في المنام فاتخذوا له غرفة، فصعد تلك الغرفة وفتح كوة إلى الناس في الحائط، وكان يتعبد في الغرفة، وربما كانوا يجتمعون إليه ويسألونه ويجيبهم من تلك الكوة، وربما يأمرهم حتى يجتمعوا ويناديهم من تلك الكوة، ويقول لهم بقول كان في الظاهر منكراً وينكرون عليه، فكان يفسر ذلك القول بتفسير يعجبهم ذلك، فانقادوا كلهم له وكانوا يقبلون قوله بما يأمرهم به. فقال لهم يوماً من الأيام:

اجتمعوا قد حضرني علم، فاجتمعوا، فقال لهم: أليس قد خلق الله تعالى هذه الأشياء في الدنيا كلها لمنفعة بني آدم؟ قالوا: نعم، فقال لم تحرمون على أنفسكم هذه الأشياء؟ يعني الخمر والخنزير وقد خلق لكم مَّا فِى الارض جميعاً، فأخذوا بقوله واستحلوا الخمر والخنزير، فلما مضى على ذلك أيام دعاهم وقال: حضرني علم. فاجتمعوا وقال لهم: من أي ناحية تطلع الشمس؟ فقالوا: من قبل المشرق. فقال: ومن أي ناحية يطلع القمر والنجوم؟ فقالوا: من قبل المشرق. فقال: ومن يرسلهم من قبل المشرق؟ قالوا: الله تعالى: فقال: فاعلموا أنه من قبل المشرق فإن صليتم له فصلوا إليه، فحول صلاتهم إلى المشرق، فلما مضى على ذلك أيام دعا طائفةً منهم وأمرهم بأن يدخلوا عليه في الغرفة. وقال لهم: إني أريد أن أجعل نفسي الليلة قرباناً لأجل عيسى، وقد حضرني علم وأريد أن أخبركم في السر لتحفظوا عني وتدعوا الناس إلى ذلك. ويقال أيضاً إنه أصبح يوماً وفتح عينه الأخرى ثم دعاهم وقال لهم: جاءني عيسى الليلة، وقال: قد رضيت عنك، فمسح يده على عيني فبرئت، فالآن أريد أن أجعل نفسي قرباناً. ثم قال لهم: هل يستطيع أحد أن يحيي الموتى ويبرئ الأكمه والأبرص إلا الله تعالى؟

فقالوا: لا. فقال: إن عيسى قد فعل هذه الأشياء، فاعلموا بأنه هو الله. فخرجوا من عنده. ثم دعا طائفة أخرى فأخبرهم بذلك أيضاً، وقال: إنه كان ابنه ثم دعا بطائفة ثالثة وأخبرهم بأنه ثالث ثلاثة، وأخبرهم بأنه يريد أن يجعل نفسه الليلة قرباناً، فلما كان في بعض الليل خرج من بين ظهرانيهم، فأصبحوا وجعلوا كل فريق منهم يقول: قد علمني كذا وكذا. وقال الفريق الآخر: أنت كاذب بل علمني كذا وكذا، فوقع بينهم القتال فاقتتلوا وقتلوا خلقاً كثيراً وبقيت العداوة بينهم إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَهُمْ ثلاث فرق، فرقة بينهم النسطورية قالوا المسيح ابن الله.

وصنف منهم يقال: لهم المار يعقوبية قالوا: إن الله هو المسيح. وصنف يقال لهم: الملكانية، قالوا: إن الله ثالث ثلاثة المسيح وأمه والله. فأغرى بَيْنَهُمُ العداوة والبغضآء إلى يوم القيامة.

ويقال: ألقى بينهم العداوة بالجدال والخصومات في الدين، وذلك يحبط الأعمال. وقال معاوية بن قرة: إياكم وهذه الخصومات في الدين، فإنها تحبط الأعمال. ثم قال: وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ يعني: ينبئهم في الآخرة الذي هو على الحق.

<<  <  ج: ص:  >  >>