واحد، ولم يختلف الرسل في الإيمان، وإنما اختلفوا في الشرائع. قال القتبي: الشرعة والشريعة واحد، يعني: السنة والمنهاج الطريق الواضح. وقال الزجاج: الشرعة الدين، والمنهاج الطريق، وقد قيل: هما شيء واحد، وهو الطريق، ويقال: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهاجاً معناه: فرضت على كل أمة ما علمت أن صلاحهم فيه.
ثم قال: وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً يعني: جعلكم على شريعة واحدة، وَلكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ ليخبركم، فِي ما آتاكُمْ يعني: أمركم من السنن، والشرائع المختلفة، ليتبين من يطيع الله فيما أمره ونهاه، ومن يعصيه.
ثم قال: فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ يعني: بادروا بالطاعات، وبالأعمال الصالحة، وإلى الصف المقدم، والتكبيرة الأولى. ثم قال: إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ من الدين والسنن يوم القيامة، فهذا وعيد وتهديد، لتستبقوا الخيرات، ولا تتّبعوا البدعة، ولا تخالفوا الكتاب.
ثم قال: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وذلك أن يهود بني النضير قالوا فيما بينهم:
اذهبوا بنا إلى محمد صلى الله عليه وسلم لعلنا نفتنه عن دينه. وإنما هو بشر فأتَوْه. فقالوا: يا محمد إنك قد عرفت أنّا أحبار اليهود، وأشرافهم، وسادتهم، وأنّا إن اتبعناك اتبعك اليهود، ولن يخالفونا.
وإنّ بيننا وبين قومنا خصومة، فنحاكمهم إليك، فتقضي لنا عليهم، فنؤمن بك، فأبى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك. فنزلت هذه الآية وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ يعني: اقضِ بينهم بما في القرآن، وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ في الحكم، وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ يعني: يصرفوك، عَنْ بَعْضِ مآ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ.
وقال في رواية الضحاك: تزوج مجوسي ابنته، فجاءت إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلم وطلبت نفقتها، فأمر الله تعالى رسوله أن يفرق بينهما بقوله: وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ. وقال في رواية الكلبي: طلبوا منه بأن يحكم بينهم في الدماء على ما كانوا عليه في الجاهلية فنزل وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِما أَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ. قال القتبي: أصل الفتنة الاختبار.
ثم يستعمل في أشياء يستعمل في التعذيب كقوله: إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ [البروج: ١٠] ، وكقوله: يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ [الذاريات: ١٣] وتكون الفتنة الشرك، كقوله: وَقاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ [البقرة: ١٩٣] وتكون الفتنة العبرة، كقوله: لاَ تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ [يونس: ٨٥] وتكون الفتنة الصد عن السبيل، كقوله: وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مآ أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ.
ثم قال: فَإِنْ تَوَلَّوْا يعني: أبَوْا أن يرضوا بحكمك، فَاعْلَمْ أَنَّما يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ يعني: يعذبهم في الدنيا. قال الكلبي: يعني: بالجلاء إلى الشام، والإخراج من دورهم. وقال الضحاك: يعني: يريد الله أن يأمر بهم إلى النار بذنوبهم.