متى ينزل العذاب بكم. هذا جواب لقولهم: لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ مَلَكٌ [الأنعام: ٨] لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ آيَةٌ مِنْ رَبِّهِ [الأنعام: ٣٧] وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ من السماء، إِنَّمَا أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ يعني: ما أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحى إِلَيَّ من القرآن قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَالْبَصِيرُ يعني:
الكافر والمؤمن أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ في أمثال القرآن ومواعظه.
قوله تعالى: وَأَنْذِرْ بِهِ يعني: خوّف بالقرآن الَّذِينَ يَخافُونَ يعني: يعلمون أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ في الآخرة. وإنما خصّ بالإنذار الذين يعلمون وإن كان منذراً لجميع الخلق، لأن الحجة عليهم وجبت لاعترافهم بالمعاندة وهم أهل الكتاب كانوا يقرون بالبعث.
ويقال: هم المسلمون يعلمون أنهم يبعثون يوم القيامة ويؤمنون به.
لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ يعني: يعلمون أنه ليس لَهُمْ مّن دُونِ الله. يعني: من عذاب الله وَلِيٌّ في الدنيا وَلا شَفِيعٌ في الآخرة لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ يعني: أنذرهم لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ المعاصي. ويقال: لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ لكي يتقوا ويثبتوا على الإسلام. فإنهم إن لم يثبتوا لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلا شَفِيعٌ قوله تعالى: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ روي عن سعد بن أبي وقاص أنه قال: نزلت هذه الآية في ستة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم منهم عبد الله بن مسعود.
قالت قريش: تدني هؤلاء السفلة هم الذين يلونك أي: يصرونك. فوقع في قلبه أن يطردهم فنزل: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ وروى أبو جعفر الرازي عن الربيع بن أنس قال: كان رجال يستبقون إلى مجلس النبيّ صلّى الله عليه وسلم فيهم بلال وصهيب، فيجيء أشراف من قومه وسادتهم فيجلسون ناحية فقالوا له: إنّا سادات قومك وأشرافهم فلو أدنيتنا؟ فهم أن يفعل فنزل وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ الآية. ويقال: إن أبا جهل وأصحابه اختالوا ليطرد النبيّ صلّى الله عليه وسلم أصحابه عن نفسه. فقالوا: إن محمداً يتبعه الموالي والأراذل فلو طردهم لاتّبعناه. فاستعانوا بعمر- رضي الله عنه- فأخبر عمر بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم بأن يفعل ذلك. فنزل: وَلا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ يعني: يعبدون ربهم بِالْغَداةِ وَالْعَشِيِّ يعني:
يصلون لله تعالى في أول النهار وآخره يُرِيدُونَ وَجْهَهُ يعني: يريدون بصلواتهم وجه الله تعالى مَا عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعني: ما عليك من عملهم من شىء وَما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعني: الإثم ويقال: معناه: فما عليك إن لم يسلموا، فليس عليك من أوزارهم شيء. ويقال: يعني به: الضعفة من المسلمين، فلا تطردهم لأنه ليس عليك من حسابهم من شيء أي: فليس عليك من أرزاقهم شيء لكن أرزاقهم على الله.