وَيا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ يعني: وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما أي: من حيث أحببتما موسعاً عليكما وَلا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ يعني: لا تأكلا من هذه الشجرة فَتَكُونا مِنَ الظَّالِمِينَ فتصيرا من الضارين بأنفسكما.
قوله تعالى: فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ أي: زيّن لهما الشيطان لِيُبْدِيَ لَهُما مَا وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما يعني: أراد إبليس لعنه الله بالوسوسة ليظهر ما سترا من عوراتهما، والسوأة كناية عن العورة. وذلك أن إبليس لما رأى محسوده في الجنة ورأى نفسه طريداً لم يصبر، واحتال لإخراجهما فأتاهما وَقالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلَّا أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ يعني: أنكما لو أكلتما تصيران كالملكين تموتان أبداً أو تكونا كالملائكة وتعلمان الخير والشر. أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ يعني: إن لم تكونا مَلَكَيْنِ فتكونا من الخالدين لا تموتان.
وقرأ بعضهم مَلِكَيْنِ بالكسر كما قال: في آية أخرى وَمُلْكٍ لاَّ يَبْلى [طه: ١٢٠] وهي قراءة يحيى بن كثير وهي قراءة شاذة.
قوله: وَقاسَمَهُما أي حلف لهما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النَّاصِحِينَ بأنها شَجَرَةِ الخلد من أكل منها لم يمت. وكان آدم لم يعلم أن أحداً يحلف بالله كاذباً فَدَلَّاهُما بِغُرُورٍ أي: غرّهما بباطل ويقال: زَيَّنَ لهما. وأصله في اللغة من التقريب يعني: قربهما إلى الشجرة فَلَمَّا ذاقَا الشَّجَرَةَ يقول: فلما أكلا من الشجرة ووصل إلى بطونهما تهافت لباسهما عنهما بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما أي ظهرت عوراتهما، وإنما سميت العورة سوأة لأن كشف العورة قبيح.
قال الفقيه: حدّثنا أبو جعفر. قال: حدثنا أبو القاسم أحمد بن حم قد ذكر بإسناده عن أبَيّ بن كعب عن النبي صلى الله عليه وسلم: «إنَّ آدَمَ كَانَ رَجُلاً طَوِيلاً كَأَنَّهُ نَخْلَةٌ سَحُوقٌ كَثِيرَ شَعْرِ الرَّأْسِ، فَلَمَّا وَقَعَ في الخَطِيئَةِ بَدَتْ لَهُ سَوْأَتهُ، وَكَانَ لاَ يَرَاها قَبْلَ ذلك، فَانْطَلَقَ هَارِباً فِي الجَنَّةِ فَتَعَلَّقَتْ بِهِ شَجَرَةٌ مِنْ شَجَرِ الجَنَّةِ، فَنَادَاهُ رَبُّهُ: يَا آدَمُ أَتَفِرُّ مِنِّي؟ قَالَ: يَا رَبّ إِنِّي أَسْتَحِي» . وفيه دليل أن ستر العورة كان واجباً من وقت آدم لأنه لما كشف عنهما سترا عوراتهما بالأوراق فذلك قوله: