للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم، فإذا هم قردة تتعادى ولها أذناب قد غيّر الله تعالى صورهم بصنيعهم. فصاح إلى القوم فإذا هم قد صاروا قردة، فكسروا الباب، ودخلوا منازلهم، فجعلوا لا يعرفون أنسابهم، ويقولون لهم: ألم ننهكم عن معصية الله تعالى ونوصيكم؟ فيشيرون برءوسهم بلى ودموعهم تسيل على خدودهم. فأخبر الله تعالى أنه أنجى الذين ينهون عن السوء، وأخذ الذين ظلموا.

قوله: أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذابٍ بَئِيسٍ. ولا يدرى ما صنع بالذين لم ينهوا ولم يأخذوا.

وقال عكرمة: بل أهلكهم الله لأنه أنجى الذين ينهون عن السوء. وأهلك الفريقين الآخرين. فوهب له ابن عباس بردة بهذا الكلام.

وروي في رواية أُخرى أنهم كانوا يأخذون الحظائر والحياض بجنب البحر، ويسيلون الماء فيها يوم السبت من البحر حتى يدخل فيها السمك، ويأخذونه في يوم الأحد فقالوا: إنا نأخذه في يوم الأحد. فلما لم يعذبوا استحلوا الأخذ في يوم السبت من البحر وقالوا: إنما حرم الله على أبنائنا ولم يحرم علينا فنهاهم الصلحاء فلم يمتنعوا، فضربوا حائطاً بينهم، وصارت الواعظة في ناحية، والذين استحلوا في ناحية والحائط بين الفريقين. فأصبحوا في يوم من الأيام ولم يفتح الباب الذي بينهما، فارتقى واحد منهم الحائط، فإذا القوم قد مسخوا إلى قردة. وقال بعضهم: كان القوم أربعة أصناف صنف يأخذون، وصنف يرضون، وصنف ينهون، وصنف يسكتون، فنجا صنفان، وهلك صنفان. قال بعضهم: كانوا صنفين صنف يأخذون، وصنف ينهون. وروى قتادة عن ابن عباس- رضي الله عنه- أنه قال: كانوا ثلاث فرق فهلك الثاني، ونجا الثالث، والله أعلم ما فعل بالفرقة الثالثة. قرأ نافع بعذاب بِيْس بكسر الباء وسكون الياء بلا همز. وقرأ عاصم في رواية أبي بكر بعذاب بَيْأَس بفتح الباء وسكون الياء وفتح الهمزة. وقرأ الباقون: بِعَذابٍ بَئِيسٍ بنصب الباء وكسر الياء والهمزة وسكون الياء وهي اللغة المعروفة، والأولى لغة لبعض العرب.

ثم قال: فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ ما نُهُوا عَنْهُ يعني: تركوا ما وعظوا به قُلْنا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خاسِئِينَ يعني: صاغرين مبعدين عن رحمة الله.

قوله تعالى: وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ يعني: أعلم ربك ويقال: قال ربكم وكل شيء في القرآن تأذن فهو إعلام. ومعناه قال: لَيَبْعَثَنَّ أي ليسلطن عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ أي على بني إسرائيل، والذين لا يؤمنون بمحمد صلى الله عليه وسلم مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ يعني: يعذبهم بالجزية والقتل إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقابِ إذا عاقب من أصرّ على كفره وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ لمن تاب من الشرك رَحِيمٌ بعد ذلك.

ثم قال: وَقَطَّعْناهُمْ أي فرقناهم فِي الْأَرْضِ أُمَماً أي فرقاً مِنْهُمُ الصَّالِحُونَ أي

<<  <  ج: ص:  >  >>