للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مُحمدُ بنُ مَسْلَمَةَ مِصْرَ أَهْدَى إلَيْه عَمْرُو بنُ العاصِ هَدِيَّةً فَرَدَّهَا عَلَيْه، فَغَضِبَ عَمْرٌو وَقَال: يَا مُحمَّدُ لِمَ أَرْدَدْتَ إليَّ هَديَّتى وَقد أَهْدَيْتُ إلَى رسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - مَقْدَمِى مِنْ غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلاسلِ فَقَبِلَ؟ فَقَالَ لَهُ مُحمدٌ: إِنّ رسُولَ الله - صلى الله عليه وسلم - كَانَ يَقْبَلُ بالْوَحْىِ مَا شَاءَ وَيَمْتَنِعُ ممَّا شَاءَ، وَلَوْ كَانَتْ هَدِيَّةُ الأخِ لأخِيهِ قَبِلْتُهَا، وَلِكنَّهَا هَدِيَّهُ إِمَامِ شَرٍّ خَلَّفَهَا، فقَالَ عَمْروٌ: قَبَّحَ الله يَوْمًا صِرْتُ فِيهِ لِعُمرَ بنِ الخَطَّابِ وَاليًا، فَقَدْ رَأَيْتُ العَاصَ بنِ وَائلٍ يَلْبَسُ الدِّيبَاجَ الْمُزَرَّرَ بالذَّهَبِ، وإِنَّ الْخَطَّابَ بنَ نُفَيلٍ لَيَحْمِلُ الحَطَبَ عَلَى حِمَارٍ بِمَكَّة، فَقَالَ لَه مُحمدُ بنُ مَسْلَمةَ: أَبوكَ وَأَبوهُ فيِ النَّارِ، وَعُمَرُ خَيرٌ مِنْكَ، وَلَوْلاَ اليَوْمُ الَّذىِ أَصبْحَتَ تَذُمُّ لأَلْفِيتَ مُعْتَقِلًا أَعْنُزًا يَسُرُّكَ غَزِرُها ويَسُوءُكَ بَكْرُهَا، فَقَال عَمْروٌ: هىَ فَلْتَةُ المُغْضَب وهىَ عِنْدكَ بَأمانَةٍ، ثمَّ أحْضَر مَالَه فَقَاسَمَهُ إيَّاه، ثمَّ رَجَعَ".

ابن عبد الحكم في فتوح مصر (١).

٢/ ٣٦٨٣ - "عَن اللَّيثِ بنِ سَعْدٍ قَالَ: كَتَبَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إلَى عَمرِو بنِ العَاصِ: مِن عَبد الله عُمرَ أَميرِ المُؤْمنينَ إلَى عَمْرو بن العَاصِ، سَلامٌ عَلَيْكَ، فَإِنِّي أَحْمَدُ إلَيْكَ الله الَّذى لاَ إله إلَّا هُو، أمَّا بَعْدُ: فَإِنِّي فَكَّرْتُ في أَمْرِكَ وَالَّذى أَنْتَ عَلَيْهِ، فَإِذَا أَرْضُكَ أَرْضٌ وَاسِعَةٌ عَريِضَةٌ رَفِيعَةٌ، قَدْ أَعْطَى الله أَهْلَهَا عَدَدًا وَجَلَدًا (*) وَقُوة فيِ بَرٍّ وَبَحْر، وَأَنَّهَا قَدْ عَالَجَتْها الفَرَاعِنَةُ وَعَمِلُوا فِيها عَمَلًا مُحْكَمًا مَعَ شِدَّةِ عُتُوِّهِمُ وكُفْرِهم، فَعَجبْتُ مِنْ ذَلِك، وَأعْجبُ مِمَّا عَجِبْتُ أنها لا تُؤَدِّى نِصْفَ مَا كَانَتْ تُؤَدِّيهِ مِن الخَرَاجِ قَبْلَ ذَلِكَ على غَيْرِ قُحُوطٍ (* *) ولا جُدُوبٍ، وَلَقَد أَكْثَرْتُ مِن مُكَاتَبَتِكَ فيِ الَّذِي على أَرْضِكَ فيِ الخَرَاجِ، وَظَنَنْتُ أَن ذَلكَ شَيئًا بَينًا (* * *) عَلَى غَيْرِ نَزْرٍ (* * * *) وَرَجَوْتُ أَنْ تُفِيقَ فَتَرْجِعَ إلَى ذَلِك،


(١) الأثر أورده الكنز كتاب (الخلافة مع الإمارة) مقاسمة مال العمال، ج ٥ ص ٨٥٣ برقم ١٤٥٥٠ الأثر بلفظه وعزوه.
(*) الجَلَدُ: القوة والصبر نهاية ١/ ٢٨٤.
(* *) القحط: الجدب، وقحط المطر يقحط قحُوطًا: إذا احتبس، الصحاح ٣/ ١١٥١.
(* * *) أن ذلك شيئاً بيناً بهكذا بالكنز ولعل الصواب: أنَّ ذلك شئٌ بَيِّنٌ.
(* * * *) النزر: القليل التافه، وقد نزُر ينْزُر نَزَارَة، وعطاء منزور، أي: قليل، وقولهم: فلا يعطى حتى ينزر، أي: يلح ويصغر من قدره، الصحاح ٢/ ٨٢٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>