ثمّ الذي يدلُّ على عدمِ الزكاة عليه النصوصُ والإجماع، وهذه الأدلة لا تكادُ تُسمَّى إلَّا نَوافِيَ لوجوب الزكاة.
وبالجملة فهذه مُشاحَّة لفظية، وهذا الكلام من المعترض إذا لم يثبت التلازم بطريق مفصَّلٍ كلامٌ صحيح، وذلك أنه لا يقول: لا يخلو إمّا أن يكون المقتضي لوجوبها على الفقير بتقدير الوجوب على المدين واقعًا أو غير واقع، فإن لم يكن واقعًا انتفى الوجوب، وإن كان واقعًا والنافي للوجوب أيضًا واقعٌ لزِمَ التعارضُ بين المقتضِي والمانع، وهو خلاف الأصل. فإن قال: المانعُ ليس بمتحقق على هذا التقدير، قيل له: والمقتضي ليس بمتحقق على هذا التقدير، فإن ما لزم من أحدِهما لزمَ من الآخر، فليس نَفْيُ تحقُّق أحدِهما حذَرًا من المعارضة بينه وبين الآخر أولى من العكس. وهذا الكلام يمكن تقريرُه من وجوهٍ كثيرة.
قال المستدل: هذه الأدلة تَنفي الوجوب على الإطلاق، وهذا مسلَّم ولكن لِمَ قلت: إنها تنفيه بتقدير وجوبها على المدين، ثم تارةً يُمكِنُه منعُ وجودِ ما يَنفِي الحكم مطلقًا على ذلك التقدير، وهذا يتوجَّه إذا ادعى السائل مانعًا من قياس أو تلازم ونحو [ق ١٧] ذلك، وتارةً يقول: لا أسلِّم دلالتَه، مثل أن يكون النافي للوجوب نصًّا ونحوه، فلا يمكن منعُ وجودِ النصّ لكن مَنْعُ دلالتِه على الوجوب، إما بمنعِ كونه مرادًا من النصّ أو بمنع كون اللفظ مفيدًا له في الجملة، أو نحو ذلك من دلالات الألفاظ.
وإنما توجَّه مَنْعُ النافي على ذلك التقدير لأن تقدير وجوبها على المدين جاز أن يكون واقعًا في الواقع، وجاز أن لا يكونَ واقعًا، والدالُّ على الحكم دالٌّ على ثبوته على كل تقدير لا ينافيه، أما على كل تقديرٍ سواءٌ كان واقعًا أو