أكثر المتكلمين المنتسبين إلى السنة ينفونها، ويقولون: لا معنى لكون الشيء عالمًا قادرًا، إلّا نفس قيام العلم والقدرة به، وأما حالٌ يُوجِبُها له العلم والقدرة فكلَّا. وهؤلاء يُبطِلون ما يُدَّعَى في هذا الموضع من العلّة والمعلول، ويَردُّون ذلك إلى اعتبارات عقلية وأحكام ذهنية يتبعها الأسماء واللغات. فعلى قولِ هؤلاء فلا فرقَ بين قولنا: عِلْمِ الشيء وكونه عالمًا في الوجود الخارجي. وهذا القول أصوب.
وأما مَن يُثبِت الأحوال فيقولون: إن لفظ العلم والقدرة ونحوهما يدلُّ على الصفة وعلى الحال، وإذا أرادوا تمييز [ق ١٤٣] الحال قالوا: كون الشيء عالمًا وكونه قادرًا.
وعند نُفاةِ الصفات هذه الألفاظ تدلُّ على الحال بانفرادها.
فقد اتفقت الطوائف على أن لفظ المصدر يدلُّ على تمام المقصود، وهذا ظاهر، فإن الحال لازمةٌ للصفة لزومًا خارجيًّا وذهنيًّا، وليس للحال مقصودٌ زائدٌ على ثبوت الصفة. فواضعُ اللغة الحكيمُ أدرجَها في لفظةٍ. يُبيِّن ذلك أنه لو كانت الحال ثابتةً، ولا يدلُّ عليها لفظ المصدرِ لكانت اللغاتُ ــ خصوصًا اللغة الحكيمة ــ عاريةً عن الدلالة على هذه المعاني الكثيرة المحتاج إلى التعبير عنها، وذلك لا يجوز.
الثالث: أنه لو لم يدلّ المصدرُ على الحال لكان استعمالُه أولى، وذلك لأنّ المتكلم إن قصد الإثبات فإذا أثبتَ المصدرَ ثَبتت الحالُ، وإن قصد النفي فإذا نفى المصدرَ انتفت الحالُ. أما إذا استعمل هذه الألفاظ وقيل: إنها تدلُّ على الحال، فإذا أثبتها أثبت المصدر، أما إذا نفاها فقد لا ينتفي المصدر، لاعتقاد المتكلم أو المستمع أنه لا حقيقة لها في الخارج حتى