واعْلَم أن المغالبة في أنواع اللعب من الصراع والسِّباق (١) والقمار أحسن من المغالبة بمثل هذا الكلام. فهل سمعَ السامعون بأقبحَ مما يقال: فلانٌ يخالفك في مسألةٍ لا يدري ما هي، ولا يدري من أيِّ نوعٍ من العلوم هي؟! وهل هي من الفروع أو الأصول أو الأحكام الطبيعية أو الشرعية، أو من الطهارات أو من الجنايات؟!
فيقول: الحكمُ ثابتٌ في صورةٍ من الصور فيثبتُ في صورةِ النزاع، أو في صورة من صور النزاع قياسًا عليه؛ لأن الحكم ثمةَ إنما ثبتَ لأجل المشترك، بدليلِ المناسبة والدوران، والمشترك متحقِّقٌ في صورةِ النزاع، فيثبت المدَّعَى، أو متحقِّق في صورةٍ من صور النزاع، فيثبت الحكم في جميع صور النزاع؛ لأنه لا قائل بالفرق!
وما حقُّ من يتكلَّم بمثل هذا الهذيان أن يُقابل إلا بالتبكيت والتَّسْكيت، بل بالتعزير والتنكيل، وإن سُوْمح قيل له: لا نُسَلِّم أن بين الصورتين مشتركًا صالحًا للإضافة بالكلية، ولا نسلِّم ــ بتقدير وجود المشترك ــ إمكان كونه مناسبًا أو مدارًا، ولا نسلِّم تحقُّق المناسبة أو الدوران بتقدير إمكان كونه مناسبًا أو مدارًا؛ فإن شيئًا من هذه الأشياء لم يَثْبُت، إنما ادَّعاه دعوى.
فالواجب في مثل هذا الكلام أن يُقابل بالمُنُوعِ الصحيحة التي يتمكَّن معها من إثبات ما يدَّعِيه، أو يُقابَل بالمعارضات من جنس كلامِه، بأن يقال: الحكمُ منتفٍ في بعض الصور، فينتفي في صورةِ النزاع قياسًا عليه بالجامع المشترك ... إلى آخره.