وإنما قلنا: إن التعارض يُوجِب تركَ العمل بأحدهما لأنه إذا تعارض المقتضي للوجوب والمانعُ منه، فإما أن يكون الوجوب ثابتًا أو لا يكون، فإن كان ثابتًا فقد ترك العمل بالمانع، وإن لم يكن ثابتًا فقد ترك العمل بالمقتضي. ولأنهما إذا تعارضا فلا بدَّ من ترجيح أحدهما على الآخر ضرورةَ امتناعِ تكافؤ الأدلة، وحينئذٍ فقد ترك العمل بكل منهما، لأن مقتضَى كلٍّ منهما العمل بمدلوله عينًا، فإذا خُيِّر بينه وبين غيره فهو ترك العمل بكلٍّ منهما.
ويمكن أن يقال في جواب هذه الأشياء: إن شرط كون الظنّي دليلًا انعدامُ ما يساويه أو يترجح عليه، فإذا وُجِد الراجح فقد بَطَل شرطُ كونه دليلًا، فلا يكون دليلًا، ولا نكون قد تركنا العمل بدليل.
وفي هذا بحوثٌ دقيقة ليس هذا موضعَها، لكن قرَّرنا ما ذكره المصنّف، فلو كان المانع ثابتًا له في ذلك التقدير لزم مخالفة الأصل من الوجوه المذكورة، وإذا عُورِضَ من المعترض في دليله توقفت دلالتُه، فيسلم دليل المستدل الأول.
ثمَّ أجاب عن سؤالٍ مقدَّرٍ، وهو أنه إذا لزم من التعارض تركُ العمل بأحد الدليلين، وهو المقتضي لوجوب الزكاة على الفقير والمانع منها، فقد بَطَلَ أصلُ الاستدلال، لأنه إذا تُرِك العملُ بالمقتضي لوجوب الزكاة على الفقير، تُرِكَ العمل به في وجوبها على المدين بطريق الأولى، فلا يصحّ حينئذٍ [ق ٢٤] قوله: "لو وجبت الزكاة على المدين لوجبت على الفقير" لترك العمل بما أوجبه عليهما، وإن تَرَك العملَ بالمانع للزكاة على الفقير لم يصحّ قولُه:"ولم تجب على الفقير"، لأنه حينئذٍ قد قام المقتضي لوجوبها عليه من غير مانعٍ، فتجبُ عليه، فإذا ترك العمل بأحد الدليلين لزمَ إبطالُ إحدى