للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أصلٌ كلّي بالاعتبار. وهذا كان السلف يعتبرونه كثيرًا، وهو كثير في كلام الفقهاء أهلِ الفتوى، وأما أهل الأصول فقد اختلفوا فيه.

الخامس: أن يعتقدوا أن الأمر حكمةٌ ومصلحة، ولم يشهد الشرعُ بأنه كذلك، ولا اعتبرَه في سبب من الأسباب، كعقوبات الناس بالمصادرات أو بأنواع من العذاب. فهذا لا يكاد يلتفت إليه إلّا شذوذٌ من الناس.

السادس: أن يُعتقَد أن الأمر حكمة، وقد أهدره (١) الشارع وحكم بخلافه. فهذا باطلٌ باتفاق الناس، وهو كاعتقادِ إبليسَ أنّ المخلوقَ من نارٍ لا يَسجُد للمخلوق من طينٍ، لأن سجوده له خضوعُ الأعلى للأدنى في نظر إبليس، والحكمة ترفع الأعلى على الأدنى. وكاعتقاد الكفار أن الربا لا مفسدةَ فيه، بل هو كالبيع الذي يُبتغَى به الربح، ففيه مصلحة وحكمة. وكاعتقاد بعض الكفار أن شرب قليل الخمر فيه حكمة ومصلحة من غير مضرة، لأنها تُصلِح المزاجَ ولا تُفسِد العقلَ. وكأنواع هذه العقائد التي فيها مُشَاقَّةُ الرسولِ واتباعُ غير سبيل المؤمنين. وفي مثل هذه الأشياء قيل: أولُ من قاسَ إبليس، وإنما عُبِدَت الشمسُ والقمرُ بالمقاييس (٢).

ولا [ق ٦٣] خلافَ بين المسلمين أن ما عارضَ النصوصَ من القياس لم يُلتفَتْ إليه، لكن قد يقع التعارضُ بين بعض دلالات النصوص وبين القياس، فيَقوى ظنُّ بعضِ الناس بصحة القياس، فيعتقد أن الشارع لم يُهدِر تلك المصلحة، ويَقوَى ظنُّ آخرَ بدلالة لفظ الشارع، فيُقدِّمه على ظنِّه


(١) في الأصل: «اعتبره». ولعل الصواب ما أثبت.
(٢) أخرجه الطبري في «تفسيره» (٨/ ٩٨) وابن عبد البر في «جامع بيان العلم» (٢/ ٨٩٢) عن ابن سيرين. ورويا الجزء الأول منه عن الحسن البصري أيضًا.