للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثالث: سلَّمنا أنه عدمي، لكن لا نُسلِّم أنه علةٌ لكون اللفظ حقيقةً في المعنى، وإنما هو دليل على أن حقيقة اللفظ ذلك المعنى، وذلك لأن العلة ما يؤثّر في وجود المعلل، وكلّ واحد من عموم اللفظ للمعنى وعموم المعنى للفظ واختصاصه ليس مؤثّرًا في وجود كون اللفظ حقيقةً للمعنى، وإنما المؤثر فيه هو الوضع، سواء كان الوضع متقدمًا على الاستعمال أو كان نفس الاستعمال وضعًا، وذلك يرجع إلى إرادة الواضع وقصده، ثم يتبع ذلك العموم والخصوص المتقدم. نعم العموم والخصوص والتلازم والدوران دليلٌ وعَلَمٌ على الوضع المستند إلى قصد الواضع، والدليل يجوز أن يكون عدميًّا باتفاق العقلاء، فإن عدم الشرط العقلي والشرعي دليلٌ على عدم المشروط، وعدم العلة المعيّنة دليلٌ على عدم المعلول، وعدم اللازم دليلٌ على عدم الملزوم، وعدم الفساد في العالم دليلٌ على عدم شريكٍ للإله الحق.

وكما يجوز أن يكون دليلًا على الأمور العدمية يجوز أن يكون دليلًا على الأمور الوجودية، كالاستدلال بعدم الشيء على وجود نقيضه، وبعدم الناقل عن (١) الأصل على بقاء الأمر على ما كان عليه منضمًّا إلى استصحاب الحال، وبعدم علامات الأسماء والأفعال على كون الكلمة حرفًا، وبعدم الآيات [ق ١٣٦] على كذب المتنبئ، وبعدم إتيان القاذف بأربعة شهداء على أنه عند الله من الكاذبين، وبعدم الإسلام والعهد على حلِّ الدم والمال، وبعدم الوارث من النسب على استحقاق الوارث بالولاء، وبعدمهما على استحقاق أهل بيت المال. وكذلك الاستدلال بعدم الطبقة الأولى من


(١) في الأصل: «على».