قلتُ: حاصلُ هذا أنه يقول: عدم الحكم في الأصل يدلُّ على أحد أمرين، أو هو مستلزم لأحد أمرين؛ إما عدم الحكم في الأصل والفرع، وإما عدم كون المشترك بينهما علةً للوجوب أصلًا؛ لأنه لو لم يلزم العدم فيهما، أو عدم عِلِّية المشترك، لكان الحاصل إما وجود الحكم فيهما، أو وجود عِليَّة المشترك، وعلى التقديرَين يلزم الوجوب في الأصل، واللازم منتفٍ، فينتفي الملزوم، وهو وجود أحد الأمرين، فثبتَ عدمُ أحد الأمرين، وأيهما ثبت لزم الحكم؛ لأنه إن ثبت عدم الحكم فيهما فظاهر، وإن ثبتَ عدمُ عِلِّية المشترك لزم انتفاء الوجوب؛ لأن الوجوب لو حصل لأضيف إلى المشترك؛ لأن المشترك مناسب للوجوب؛ لما فيه من تحصيل مصلحة الإيجاب، أو بالدوران، وهو دوران الوجوب مع المشترك وجودًا في صورة وجود المشترك، وهي هذه الصورة، صورة الأصل، وعدمًا في صورة عدم المشترك، والدورانُ يدلُّ على أن المدارَ عِلَّةٌ للدائر.
هذا تقريرُ كلامِه، وهو من أفسد الكلام؛ وطريقُ إظهار فسادِه بمَنْع كلِّ واحدةٍ من المقدِّمتين، فإن فسادها عند تحليلها ظاهر، وذلك من وجوه:
أحدها: لا نُسلِّم أنه لو لم يتحقَّق العدم فيهما، أو لم يكن المشترك علةً للوجوب لوجبت الزكاة في الأصل، وذلك لأن انتفاء تحقُّق العدم فيهما يكون تارةً بوجود الحُكم فيهما، وتارة بوجود الحكم في الأصل، وتارة بوجوده في الفرع؛ فإنه على كلِّ واحدٍ من [ق ١٦٨] هذه التقديرات لا يتحقَّقُ العدمُ فيهما لوجود الحكم في الأصل، فلا يلزم من انتفاء تحقق العدم فيهما الوجوب ثَمَّ، بل ينتفي تحقق العدم فيهما، ويحصل الوجوبُ في الأصل. فقد منعت المقدمة الأولى، وتبيَّن بطلان الدليل عليها.