والثالث: أن يتعددَ، وتكونَ إحداهما من لوازم الأخرى مع اتحاد الدليل، وهو أكثر ما يستعملُه المموِّهونَ، وليس هو من طرق المحققين، وربما نذكره إن شاء الله في موضع آخر.
وقد ظهر بما بيناه أن المستدلَّ لم يُقِم دليلًا صحيحًا، وأن أكثر أَسوِلة المعترض وأجوبة المستدلّ باطلةٌ، وذلك يُوجِبُ أن كلًّا منهما منقطع، فإن من احتجَّ بما لم يُفِد فهو منقطع، ومن أورد ما لا يقدح فهو منقطع، لكن في تفاصيل الكلام قد يحصلُ من المستدلِّ أجوبةٌ صحيحة من ذلك المقام، ومن المعترض أسوِلةٌ قادحة كما بيناه، لكن ذلك كله مبنيٌّ على أصلٍ غير صحيح كما تقدم، فلهذا حكمنا بانقطاع كل منهما.
وإنما ذكرتُ هذا لأن بعض الطلبةِ قال: أُحِبُّ أن تذكر لي في آخر كلامك مَن فَلَج بالحجة من المستدل والمعترض، فذكرتُ ذلك، لأن الجدل الباطل لا يُفلِحُ فيه مَن سَلكَه استدلالًا وسؤالًا وانفصالًا، فإن من استدلَّ بالباطل فهو مُبطِلٌ، ومن ردَّ الباطلَ بالباطل ولم يُبيِّن أن الدليل باطل فهو مُبطِلٌ، ومن أجابَ عن الباطل بباطلٍ ولم يُبيِّن أن السؤالَ باطل فهو مُبطِل، وكلُّ مبطلٍ فإنه يكون منقطعًا إذا بُيِّن بطلانُه. والله أعلم.