للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهي خروجٌ عن البيان الذي امتنَّ الله بتعليمه حيث يقول: {الرَّحْمَنُ (١) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (٢) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (٣) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ} [الرحمن: ١ - ٤]، وتكلُّفٌ في المنطق الذي هو خاصَّة الإنسان التي انفصل بها عن سائر أنواع الحيوان، وتشبُّهٌ بالأعاجم فيما أحدثوه من الدندنة والطنطنة، وقد نهى - صلى الله عليه وسلم - عن التشبُّه بالأعاجم فيما أحدثوه من الهيئات (١)، فإن العجم مأمورون أن يتبعوا هَدْيَ العرب من الصحابة والتابعين، وكذلك متأخرو العرب مأمورون أن يتبعوا هَدْيَ الأولين كما قال: {وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ} إلى آخر الآية [التوبة: ١٠٠]. فحَكَم بالرضَى لمن اتبعَ السابقين بإحسان. وقال - صلى الله عليه وسلم - لما صلَّى قاعدًا: «لا تُعظِّموني كما تُعظِّم الأعاجمُ بعضُها بعضًا» (٢)، وقال في بعض ما أمر به: «لا تشبَّهوا بالأعاجم» (٣). وكتب عمر إلى العراق: «تَمعْدَدُوا واخْشَوشِنُوا وامْشُوا حُفَاةً وانتَعِلُوا وانْزُوا على الخيل نَزْوًا ولا تَشبَّهوا بالأعاجم» (٤).

وكذلك نهى عن التشبه بأهل الجاهلية فيما خالفوا فيه الإسلام، ونهى عن التشبه باليهود


(١) انظر كتاب «اقتضاء الصراط المستقيم» للمؤلف، فقد فصَّل فيه الكلامَ في هذا الموضوع.
(٢) أخرجه أحمد (٢٢١٨١) وأبو داود (٥٢٣٠) عن أبي أمامة بلفظ: «لا تقوموا كما تقوم الأعاجم يُعظِّم بعضُها بعضًا» إسناده ضعيف. وأخرج أحمد (١٥٢٥١) وابن خزيمة (١٤٨٧) عن جابر، بلفظ: «لا تقوموا كما تقوم فارس لجبابرتها أو لملوكها».
(٣) أخرجه البزار (٥٢١٧) من حديث ابن عباس، قال الهيثمي في «مجمع الزوائد» (٥/ ١٦٠): فيه رشدين بن كريب، وهو ضعيف.
(٤) أخرجه ابن حبان «الإحسان» (٥٤٥٤) بنحوه، وأصله عند مسلم مختصرًا، وقال المصنف في «الاقتضاء» (١/ ٢٧٨): «وهذا مشهور محفوظ عن عمر بن الخطاب».