للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال (١): إن كلّ فعلٍ له مصدرٌ فلا يكاد يُسَمع في الكلام العربي أنه صِيْغَ له مصدرٌ من هذا الجنس [منسوب] إلى اسم مزيد فيه هاء التأنيث، استغناءً بالمصدر عنه، فإن هذا زيادةٌ وعَجرفةٌ إلّا فيما شذَّ، مثل قولهم: الخُصوص والخُصوصية والخَصوصية بضم الخاء وفتحها، وهو أفصح. وقد كَثُر استعمال هذا الضرب في لسان المنتسبين إلى العلم من متأخري الأعاجم، يقولون: العالمية والقادرية والمعلومية والمقدورية والعمومية والخصوصيّة وأشباه هذا، تارةً يَضيفون اسم الفاعل وتارةً اسم المفعول وتارةً المصدر. كما استعمل المصنّف لفظ «العمومية» بقوله: «ولئن مَنَع العموميَّة». وهذا استعمالٌ خارج عن النحو العربي، وزيادةٌ في اللفظ وتكلُّفٌ من غير فائدةٍ، لأنه لو قال: «ولو منع العموم» كان المعنى تامًّا حاصلًا بدون هذه النسبة والتأنيث، فإن العموم مصدر عَمَّ الشيءُ غيرَه يَعُمُّه عمومًا، فإذا منع أنَّ اللفظ قد عمّ فهو المطلوب.

فإن قيل: بل فيه فائدة غامضة، فإنّ بين المصدر وبين هذه الأسماء المنسوبة المؤنثة فرقًا دقيقًا (٢)، وذلك أنك إذا قلت: العلم والقدرة، [ق ١٤٢] فإنك تَعني به المعنى القائم بالذات المدلول عليه بلفظ «علم» ولفظ «قدرة»، وكذلك إذا قلت: العموم أو الإحسان، فإنما تعني الحدث أو المعنى القائم بالفاعل الذي نسبتَ إليه العموم أو الإحسان. فإذا قلتَ: العالمية والقادرية، فإنما تعني الحال الثابتة للذات التي اقتضاها العلم


(١) كذا الأصل، ولم يُذكر القائل. والمقصود به هنا المؤلف.
(٢) في الأصل: «فرق دقيقي».