للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُضلُّه ويهديه، وأنزل معهم الكتاب بالحقِّ ليَحْكُم بين الناس فيما اختلفوا فيه. وأمرهم بالاعتصام [ق ١٤] به حذرًا من الافتراق (١) في الدِّين، وحضَّهم عند التنازع على الرَّدّ إليه وإلى رسوله المبين. وعَذَرهم بعد ذلك فيما يتنازعون فيه من دقائق الفروع العملية (٢)، لخفاء مَدْرَكها وخفَّة مَسْلكها وعدم إفضائها إلى بليَّة، وحضَّهم على المناظرة والمشاورة، لاستخراج الصّواب في الدّنيا والآخرة، حيث يقول لمن رضي دينهم: {وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ} [الشورى:٣٨]، كما أمرهم بالمجادلة والمقاتلة لمن عَدَل عن السبيل العادلة، حيث يقول آمرًا وناهيًا لنبيِّه والمؤمنين، لبيان ما يرضاه منه ومنهم: {وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} [النحل:١٢٥] {وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ} [العنكبوت:٤٦].

فكان أئمة الإسلام مُمتثلين لأمر المليك (٣) العلَّام، يجادلون أهلَ الأهواء المضلَّة، حتى يردُّوهم (٤) إلى سواء المِلَّة، كمجادلة ابن عباس - رضي الله عنهما - للخوارج المارقين، حتى رجع كثيرٌ منهم إلى ما خرج عنه من الدين، وكمناظرة كثير من السلف الأولين لصنوف المبتدعة الماضين، ومن في قلبه ريبٌ يخالفُ اليقين، حتى هدى الله من شاء من البَشَر، وعَلَن (٥) الحقُّ وظَهَر، ودَرَس ما أحدثه المبتدعون واندَثَر.


(١) (ك): "التفرق".
(٢) (ف، ك): "العلمية".
(٣) (ب، ق): "الملك".
(٤) (ف، ك): "يردونهم".
(٥) (ف): "وأعلن".