للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المواضع، وهو خلافُ إجماع العقلاء. فنقول حينئذٍ: هذا المعنى جائز عدم الإرادة، فلا يخلو إما أن يكون مرادًا، أو لا يكون، فإن لم يكن مرادًا بطل الاستدلال، وإن كان مرادًا لزم إرادة ما يجوز أن يكون مرادًا، ويجوز أن لا يكون مرادًا من غير دليل يُبَيِّن رُجْحان أحدهما، وذلك تكلُّمٌ بما لا يُفهم، وتكليفٌ لما لا يُطاق، ونَصْب دليل لا دِلالَة فيه.

وإن قالوا: إرادة المعنى راجحة.

قلنا: عدم إرادته راجحة (١) لإعضادها بالأصل، بل نقول: إذا جاز أن يكون مرادًا وجاز أن لا يكون مرادًا، كان ترجيحُ أحدِهما على الآخر لغير مرجِّحٍ باطلًا، فالواجب التوقُّف عن الجزم بأحدِهما حتى يأتي ما يرجِّحُه.

فإن قالوا: هو ثابت الإرادة إلا (٢) عند وجود مُعَارِض.

قلنا: بل هو غير مرادٍ إلا عند وجودِ ما يدلُّ على الإرادة، ولا شك أن نسبة عدم الحكم إلى عدم مُقْتَضِيه أولى من نِسْبَته إلى وجودِ مانعٍ منه، لما في الثاني من التعارض بين [ق ٢٥٥] المقتضي والمانع.

ولهم مسلك ثالث (٣): وهو أنه لابدَّ أن يُرَاد باللفظ ما هو جائز الإرادة؛ لأنه إذا عدم ذلك فإما أن لا يُراد معنى، أو يراد ما لا يجوز إرادته، وكلاهما ممتنع، فثبتَ أنَّ إرادةَ المعنى الجائزةِ إرادتُه واجبة، وهي تدفع عن اللفظ


(١) كذا، والصواب: «راجح» ولا يقال: إن التأنيث للمضاف إليه، فإن المعنى يفسد حينئذٍ وهو أن تكون الإرادة راجحة. والمطلوب أن عدم الإرادة راجح.
(٢) تحتمل: «لا».
(٣) تقدم المسلك الأول (ص ٤٤٨)، والمسلك الثاني (ص ٤٥٣) وذانك المسلكان نصَّ عليهما صاحب «الفصول»، وهذا والذي يليه لم ينص عليهما.