للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذين الفسادين، فحينئذٍ إذا فرض معنًى جائزُ الإرادة كان المقتضي لإرادته قائمًا، وإن لم يدل على عينه، فإن المقتضي للحكم يعمل علمَه، وأيُّ (١) محلٍّ وُجِد، وإنما التعيينُ بمنزلة الطُّرُق التي كل منها محصِّل للغرض، فلا يضر أيُّها سُلِك. فإذا أُريدَ منه هذا المعنى حصل الغرضُ المطلوبُ مما يقتضيه نفس استعمال اللفظ، فيكون المقتضي للإرادة ثابتًا.

وهذا المسلك أيضًا ليسَ بشيءٍ؛ لأن وجودَ معنى جائز الإرادة لابد منه، وتعيّنه بهذا المعنى إذ هذا المعنى (٢) إنّما يكونُ طريقًا إذا لم تكن فيه مفسدة، وهذا فيه مفسدة، وهو التعرض بحمل اللفظ على ما لم يُرَد به.

وأيضًا: فهذا إنما يقتضي أنَّ هناك معنًى ما جائز الإرادة، فإذا أبدى الخصمُ معنًى من المعاني جائز الإرادة اندفع الحاجة إلى ذلك المعيّن؛ لأن المقتضي يقتضي معنًى ما جائز الإرادة، فإذا حصلت المزاحمة لم يكن أحدُهما بأولى من الآخر، والمقتضي لا عمومَ له، وحينئذٍ فلا يمكن الاستدلال بهذه القاعدة؛ لأنه ما من لفظٍ إلا ويمكن الخصمَ أن يذكرَ فيه معنًى جائزَ الإرادة في نفس الأمر. فإنَّا نعلمُ أنَّ اللفظ له معنى جائزُ الإرادة، لكن اندفاع المفسدة ليس موقوفًا علينا (٣) ولا على تَعْييننا.

ولهم مسلك رابع: وهو أنَّ مفسدة عدم الحمل أشد من مفسدة الحمل، إذ المعنى إذا كان مرادًا، فلم يعتقِدْه مرادًا لزم إبطال مقصود الشارع قطعًا، أما إذا لم يكن مرادًا واعتقدناه مرادًا فلا بدَّ أن نَحْمله على كلِّ جائز الإرادة،


(١) كذا بالأصل، ولعلها: «بأيّ».
(٢) كذا في الأصل.
(٣) تحتمل: «علمنا».