للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والنصارى في أشياءَ من هَدْيِهم ودَلِّهم وسَمْتِهم. وليس هذا موضع استقصاء القول في ذلك (١).

فمن اتبعَ من العرب والعجم هَدْيَ الأولين دخلَ في زُمرتهم، فإنه مَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم (٢)، وحينئذٍ يكون العجم ممن قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: «لو كان العلم ــ وفي لفظٍ: الدينُ ــ معلَّقًا بالثُّريا لتناولَه رجالٌ من أبناء فارس» (٣)، فإنه إشارة إلى العلم الذي نعتَ الله به نبيَّه الذي بعثَه به، وإن خرجوا عن ذلك عادوا إلى الجاهلية جاهلية العرب.

ولا يَحقِرنَّ أحدٌ أمرَ اللسان، فإنه أمرٌ عظيم، ولهذا قرنَه عمر بالدين لمّا قال لابن عباس: قد كنتَ أنت وأبوك تُحِبُّون أن يكثر هؤلاء، يعني سَبْيَ المجوس، [ق ١٤٦] فقال: إن أمرتَنا قتلناهم، فقال: أبعدَ ما دخلوا في دينكم وتكلَّموا بلسانكم (٤)! وقال عمر أيضًا - رضي الله عنه -: تعلَّموا الفرائضَ واللحنَ كما تَعلَّمون القرآن (٥). فأمر بتعليم لحن القرآن والفرائض كما أمرَ بتعليم القرآن. وقال عمر - رضي الله عنه -: «ما تكلَّم أحدٌ بالفارسية إلا خَبَّ ونَقَصَتْ مروءتُه» (٦). وهذا ــ والله أعلم ــ عربيٌّ يُريد أن يتكلم بها لغير حاجة، فما


(١) فصَّل الكلامَ فيه المؤلف في كتابه العظيم «اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم».
(٢) حديث أخرجه أحمد (٥١١٤)، وأبو داود (٤٠٣١) عن ابن عمر.
(٣) أخرجه البخاري (٤٦١٥) ومسلم (٢٥٤٦) عن أبي هريرة.
(٤) أخرجه البخاري رقم (٣٤٩٧) في قصة مقتل عمر - رضي الله عنه -.
(٥) أخرجه ابن أبي شيبة (٦/ ١١٦) والدارمي رقم (٢٨٩٢) بسندٍ صحيح.
(٦) أخرجه ابن أبي شيبة (٩/ ١١) بنحوه، وأورده المؤلف في «اقتضاء الصراط المستقيم» (١/ ٥٢٢) بهذا اللفظ.